قواعد الاشتباك في الجنوب السوري

تغير بعد عام 2011 توازن القوى الذي كان قائماً على الحدود السورية الإسرائيلية الذي استمر منذ اتفاق فك الارتباط الذي بين سورية وإسرائيل عام 1974. خلال هذه الفترة الممتدة لعدة عقود استلمت قوات مراقبة دولية تابعة للأمم المتحدة منطقة عازلة بين سورية والجولان المحتل، مهمتها الإشراف على تطبيق هذه الاتفاقية, وتباينت أعدادها بين فترة وأخرى ولكنها بقيت ضمن حدود الألف مراقب, وبقيت المنطقة مستقرة معهم حتى عام 2013.

لكن مع الاضطرابات التي انتشرت في الجنوب السوري بسبب تزايد النشاط الإرهابي للمجموعات الإسلامية المسلحة, انتهزت إسرائيل وضع الأزمة السورية وقامت بالتواصل المكثف مع قيادات من هذه الجماعات. الخطوة الأولى التي قامت بها إسرائيل هي الضغط بالتعاون مع الولايات المتحدة والغرب على سحب الأمم المتحدة لقواتها من الجولان المحتل, وفعلاً بدأ التوجه بشكل متتابع مع سحب كرواتيا لعناصرها في بداية عام 2013، ثم اليابانية ثم الكندية ثم القوات النمساوية في حزيران من العام نفسه. وخلال العام نفسه اختطف واحد وعشرون جندياً فلبينياً تابعون لـ (قوة مراقبة فض الاشتباك) (الأندوف) خلال دورية روتينية لهم في الجزء السوري من مرتفعات الجولان المحتل منزوعة السلاح.

وكان المخطط إنهاء آلية المراقبة الدولية الوحيدة على طول الحدود السورية الإسرائيلية، لكي يتسنى لإسرائيل التواصل بشكل مريح مع المجموعات الإسلامية المسلحة. ويفترض أن تدخّل إسرائيل الصريح في دعم هذه المجموعات على تخوم الجولان المحتل, أن يخلق جيباً جغرافياً عازلاً لها, مناهضاً للدولة السورية وحزب الله معاً, يعمل على استنزافهما وتكريس احتلال الجولان نهائياً لإسرائيل. إن من قام بعملية الخطف هم عناصر من (لواء شهداء اليرموك) الذي يقوده حالياً أبو عبيدة قحطان، وهو قيادي إسلامي كان ينتمي إلى القاعدة ومقرباً من أسامة بن لادن, وشارك مع عناصر أخرى من القاعدة في النشاطات الإرهابية في العراق وأفغانستان.

حالياً يظهر خطر المجموعات الإسلامية المسلحة أكثر وضوحاً في المثلث الجغرافي بين الأردن وسورية وإسرائيل ضمن الجغرافيا السورية, حيث يقدر وجود أكثر من 100 فصيل مسلح في هذه المنطقة، أهمها (تنظيم الدولة) و(جبهة النصرة). ويعتبر (لواء شهداء اليرموك) أهم الجماعات الفعالة في هذا المثلث. وفي محاولة لتجنب احتمال عمليات قصف من التحالف الدولي أو من روسيا لعناصره بعد تصنيف (جبهة النصرة) دولياً جماعةً إرهابية, قامت مجموعات عدة في أيار الماضي بإنشاء (جيش خالد بن الوليد) الذي يضم إضافة إلى (لواء شهداء اليرموك) كلاً من (حركة المثنّى الإسلامية) و(جيش الجهاد). ونعتقد أن سبب الاستقرار الأمني (المؤقت) على الحدود الأردنية يعود إلى صيغة ما بين عمّان وهذه الجماعات يقتضي بموجبها التعاون بينهما على محاربة (تنظيم الدولة) في هذه المنطقة، خاصة أن هذا التنظيم يعد خطراً حقيقيا على كل من (جبهة النصرة) والمملكة الأردنية.

إن الوضع في الجنوب السوري يبقى غير مستقر أمنياً وهو يشكل خطراً كبيراً على كل من سورية والأردن ولبنان، وحتى على إسرائيل نفسها التي تدعم هذه المجموعات, فقد أثبتت التجربة أن المجموعات التي تحمل فكراً إسلامياً متطرفاً هي غير مؤتمنة الجانب. ويلاحظ أن قواعد الاشتباك بين الأطراف المتصارعة في حالة تغير مستمر كانعكاس مادي للتوازن الدولي وعلاقته بالإرادات السياسية. وتَمَثل الضبط الواسع للجيش السوري وحلفائه في جنوب سورية إصراراً واضحاً من قبلهم على تثبيت قواعد اشتباك صارمة مع إسرائيل, مع محاولات خلق ظاهرة تعاون متعدد الأطراف ضد إسرائيل في جغرافيا جديدة غير جنوب لبنان. إضافة إلى نقطة هامة للغاية هي الحفاظ على زمام المبادرة وضبط الوضع الميداني الذي حققه الجيش السوري في محيط العاصمة دمشق.

العدد 1107 - 22/5/2024