صدر وأفهم علناً.. الإعدام لصوت الشعب والقناة الأرضية الأولى!

يا أيها الحبر الذي خُطّ به ذاك القرار.. لو أنك غيّرت عنوانك قليلاً وصوّبت شكلك ليزيح عنا آلاف الفاسدين والمرتشين ومبددي ثروات الدولة على المظاهر والأتيكيت والسيارات وفواتير النساء في صالونات التجميل والمولات الكبرى! لو أنك غيّرت صيغتك قليلاً فأغلقت أفواه المتبجحين بالثروات المنهوبة، وختمت بالشمع الأحمر على ممتلكاتهم المشبوهة التي غنموها من جيوب الفقراء! لو أنك وجّهت سهامك نحو من اتخذوا ساحة الإعلام غطاءً فوضوياً لقنص أموال الدولة عبر برامج تحشى بها عشرات من الأسماء التي لا عمل لها سوى قبض المال!! لو كان بريق ذاك التوقيع  وبالاً على من أدخل إلى تلك المؤسسة الإعلامية العريقة ما هبّ ودبّ من أشكال البشر الطامعين بقبض الأموال الوفيرة والطامحين إلى الشهرة، حتى صار سائق السرفيس في الهيئة مساعد مخرج؟؟.. لو كان كل ذاك.. لكان حبراً من نور وتوقيعاً من ضياء وحكماً من شرائع الحق..

ولكنك أيها الحبر الذي خطّ ذاك القرار غيّرت توجهاتك، فنسيت كل التجاوزات، والتفتّ نحو معالجة الجسد العليل باقتطاع الشرايين التي كانت توصل صوت الشعب إلى آذان المسؤولين، وبالعبث بذاكرة السوريين ومحوها، بمحو قناتهم الأرضية الأولى التي تعني لهم رفيقة ذكرياتهم منذ الطفولة مروراً بهذه الأيام العصيبة.. القناة الأولى التي افتتحت وبدأ إرسالها في عام 1960 وهي تعد من أوائل القنوات التلفزيونية في الشرق الأوسط من حيث تاريخ الافتتاح.. هي تاريخ عريق،  ومنبر إعلامي وسياسي وفكري ودرامي، وقد تخرج فيها آلاف من الإعلاميين النجباء ممن يملؤون الفضائيات العربية إلى حدّ اليوم، ولا ينافسهم منافس، فخبرتهم عريقة عراقة القناة التي نهضوا منها.. ولا يقتصر الأمر على الإعلاميين فقط، بل من هذه القناة تخرج الكثيرون من الفنيين والمهندسين المعنيين بشؤون الكاميرات، والمخرجين الذين مازالوا يقدمون إلى اليوم خبرة تلك السنين التي قضوها في التلفيزيون الأم- القناة الأولى- وعصارتها. والسؤال هنا: هل يدفن الولد أمه إن هرمت ولم تعد تواكب العصر؟؟؟؟

أما شريان القلب وأوردته ومتنفس المواطنين وصوتهم (إذاعة صوت الشعب) فقد بدأت تبث برامجها في عام 1979، وكان جلّ اهتمامها يتركز في الشأن المحلي، فقد قدمت برامج هادفة على الهواء تتلقى من خلالها اتصالات المواطنين وتحوّلها لمسؤولين محليين، وقد تكون إذاعة صوت الشعب أول من ابتكر أسلوب البث المباشر على الهواء منذ حوالي ثلاثين سنة.. صوت الشعب كانت الرديف الأكبر لإذاعة دمشق التاريخية.. وكانت أيضاً ذاك المعول الذي يكسر الجدار بين مسؤول لا يبالي، ومواطن يكتوي بنيران المشاكل المحيطة به.. كانت رفيقة الشعب في همومه صباحاً وأنيسته مساءً وظهراً بما تبثه من أغان طربية قديمة ومسلسلات وتمثيليات تحرك لواعجه، فيصغي للحب ويهلل للعاشقين، فينام والأمل بين عينيه.. وبإغلاق صوت الشعب سيرتاح المسؤولون من عبء محاصرتهم على هواء البث المباشر.. وسيبرر من أعدم صوت الشعب أن تخفيض النفقات هو السبب مع العلم أن  أجر كل العاملين فيها مجتمعين لا يوازي  راتب شهر واحد لإعلامي في قناة كقناة الميادين مثلاًً..

القناة الأولى الأم التراثية، وإذاعة صوت الشعب ومنبر الشعب، لقد كنتما أمّ السوريين جميعهم، وقد أحبكما كل سوري يعنيه التراث والأصالة..  ولا يلام المرء على حب أمه..بل الواجب أن يوقرها ويحترمها، لا أن يحفر قبرها ويدفنها حية..

لقد وأدوكما ونحن براء منهم.. وقد احتجّ الشرفاء، ولكن لا صوت يسمع ولا قلبا يخشع.. لك الله أيتها الأم فأولادك قرروا دفنك… وكان قراراً لا طعن فيه: فقد صدر وأُفهم ونُفّذ علناً..

العدد 1105 - 01/5/2024