وتستمر أزمة الفلاح وهمومه في طرطوس!

 أثناء قيامي بجولة على العديد من القرى المتناثرة على الجبال الساحلية في محافظة طرطوس كان من أكثر ما استرعى انتباهي هو عودة كثيرين إلى أعمال الزراعة والفلاحة.. نعم العودة إلى الأرض بعد أن هجروها طويلاً بحثاً عن مكسب ما في المدن القريبة أو البعيدة. ولكن هل أستطيع أن أخفي الغصّة التي ارتسمت على بعض الوجوه ممّا يحدث الآن؟!. بالطبع سيكون الجواب بالنفي. فالأهالي الذين هجروا أرضهم لأسباب متعددة عادوا بعد حين ليجدوا تلك الأسباب مازالت جاثمة على ظهر الفلاح دون إيجاد الحلول لها!. قسم من هؤلاء كان يغرس بدل أشجار التفاح شجيرات الزيتون وعند سؤالي للعديد من المزارعين عن تلك الظاهرة أجاب البعض بأن شجرة التفاح تحتاج إلى الكثير من العناية والرعاية من حفر وفلاحة ورش وقطاف وتصنيف، وبالنهاية- يقول أحدهم- يأتينا من لجان التسويق من لا يرحم عباد الله ويبدأ ببخس إنتاجنا، فالأول قد يصنفه ثالث بسبب (نمشة صغيرة) والثالث قد يصبح (دوكما) يضيف آخر مقاطعاً ولكن عندما نذهب إلى السوق لنشتري التفاح نفاجأ بالأسعار التي تكوي الجيوب وبنوعية التفاح التي قد لا نقبل تناولها في الموسم، وهذا العام لم تستلم مؤسسة الخزن أيّ جزء من إنتاجنا!.وعند السؤال يقول البائع هذا هو الموجود فنتساءل بحرقة عن إنتاجنا.. يقول مزارع ثالث: هذا العام والذي سبقه لجأنا للبرادات المحلية.

القروض

تحدث البعض عن القروض الطويلة الأمد التي كانت المصارف الزراعية تقدمها للفلاح وبالتحديد القرض الممنوح لمدة عشر سنوات، فأكد البعض أن تلك الخطوة كانت جيدة وتمد الفلاح بالدعم المالي المطلوب في حين أكد قسم ممن التقينا بهم أن المشكلة ليست في القرض بل في قيام الفلاح باستثمار قيمة القرض في طرق أخرى غير الزراعة كأن يدفع قسط سيارة أو يبني به بناء ما، طبعاً بعض المزارعين تمنى أن تكون الجمعيات الفلاحية هي التي تكفلهم في حين تحدث أحد رؤساء الجمعيات عن مماطلة البعض في تسديد القروض.في حين رأى عدد من المزارعين أن تبادر الدولة إلى تقديم نسبة من القروض كمنحة تشجع الفلاح على زيادة المساحات المزروعة.

السماد

أحد المزارعين يملك نحو 25 دونماً مزروعة بالكرمة والتفاح تحدث عن عدم حصوله على كامل كمية السماد التي يحتاجها، في حين رأى آخرون أن توزيع السماد يجب أن يكون وفق دراسة وتحليل للتربة للوقوف على حاجتها من المواد الكيماوية. السماد متاح في الصرف الزراعي والزيادة في سعره أثّرت علينا قليلاً ولكن نعلم ظروف البلاد ونتمنى أن يجري التوزيع وفق مراقبة شديدة.

بعض الإخوة الفلاحين تحدث عن موضوع الدعم الزراعي الذي تقدمه الدولة، فهذه التجربة أثبتت عدم جدواها لأن العديد ممن يحصلون على هذا الدعم (وهو من أجل تسميد الأشجار) لا يقومون بتسميدها بل صرف المبالغ في طرق أخرى. وتمنى آخرون أن يقدم السماد على شكل قرض موسمي يقوم الفلاح في نهاية الموسم بتسديد قيمته كاملاً.

انحباس المطر

تحدث العديد ممن قابلتهم عن وجهات نظر متعددة في سبيل النهوض بالواقع الزراعي، فالمنطقة التي تعاني من انحباس المطر لفترة تعادل نصف السنة تقريباً يؤثر هذا الانحباس على المزروعات فيها أضف إلى ذلك ضعف الملكية وعدم قدرة البعض ممن يعملون في الزراعة على التفرّغ لها، فأغلبهم موظفون أو يعملون بأعمال أخرى إلى جانب الزراعة وطبعاً الشيء الوحيد الذي بإمكان الدولة تقديمه لهم للتخفيف من فترة انحباس المطر هو اللجوء إلى خزانات تجميع الأمطار وأن تبادر الدولة لتقديم قروض في سبيل إقامتها، ولكن حبذا لو كانت الدولة تقدم قسماً من المواد كنوع من التشجيع للفلاح كأن تقدم له مادة الأسمنت مثلاً أو الحديد وأن تكون نسبة الفوائد على تلك القروض مخففة من خلال إطالة المدة الزمنية لاستيفاء القرض.طبعاً هناك إمكانية أخرى للتخفيف من مدة انحباس المطر وهي اللجوء إلى السدّات التجميعية للمياه مما ينعكس إيجاباً على المياه الجوفية والآبار والينابيع.

الوحدات الإرشادية

الوحدات الإرشادية المنتشرة بكثرة في النواحي والقرى لا تقوم بعملها بشكل جيد، وقد وضع البعض اللوم على العاملين في تلك الوحدات من مهندسين وفنيين بسبب عدم قيامهم بجولات تفقدية وحملات توعية زراعية خصوصاً في فترة البيوض وانتشار الحشرات الضارة، ودعا بعض الفلاحين إلى تصحيح الثقة بين المزارع والعاملين في تلك الوحدات، فالمزارع يعتبر نفسه أكثر خبرة من خلال عمله في الأرض في حين يرى المهندس الزراعي أو الفني أن الفلاح لا يطبق تعليماته ولا يقوم بالخطوات التي يطلبها منه.ومن ناحية أخرى طالب البعض بتعزيز العلاقة بين جهاز الإرشاد والبحوث الزراعية وتلك الوحدات لما فيه مصلحة الفلاح وزيادة الإنتاج.

الصيدليات الزراعية

تكاد الصيدليات الزراعية المنتشرة في المنطقة تضاهي الصيدليات العامة بل ويزيد عددها عنها، وكان لدى الكثير ممن التقينا بهم عدم رضا عن هذا الأمر وتساءلوا عن كيفية منح رخص الصيدليات الزراعية، وتحدث البعض عن قيام مزارعين عاديين بترخيص صيدليات زراعية على أسماء مهندسين زراعيين لكن(الفلاحين) هم من يعملون فيها. الصيدليات الزراعية كالصيدليات العامة- يضيف أحد الفلاحين- فهل يحق لي أنا الذي لا أفهم بالفرق بين السكري وعلامات الجلطة أن أمنح الدواء للمرضى.. أحياناً بعد أن نقوم بالرش نفاجأ بظهور علامات لأمراض جديدة وذبول للأوراق في حالات أخرى!!. بعض المزارعين طالب الجهات المعنية بإغلاق الصيدليات التي تم ترخيصها والتي لا يعمل فيها مهندسون زراعيون متخصصون.

كلمة أخيرة: يبدو واضحاً لدينا أن فلاّحنا لديه القدرة على العطاء أكثر شريطة أن يرى ويتلمّس الاهتمام الكافي من الدولة والمسؤولين وهو على استعداد لبذل المزيد من الجهد والعرق في سبيل زيادة الإنتاج، لكن بعد أن يرى ما يقابل هذا العرق والجهد ينعكس عليه وعلى عائلته خيراً ورفاهية لا زيادة في الهموم والديون خصوصاً في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد والمفتوحة على أكثر من احتمال!!

العدد 1107 - 22/5/2024