كي لا ننسى..عبد المعين حلاق..حياة كرست للنضال من أجل الكادحين

في مدينة حلب، وفي أحد أحيائها الشعبية المكتظة، ولد عام 1938 الشيوعي عبد المعين حلاق، ابن العائلة الكادحة، التي عرف العديد من أبنائها طريقهم إلى الحزب الشيوعي السوري في أربعينيات القرن الماضي، ولقد أثارته منذ نعومة أظفاره حياة العوز، التي كانت تعانيها أسر حيّه، والتي كانت تنعكس في ذاكرته بصورة مؤلمة، مخلفة أسئلة كثيرة عن أسباب هذه المعاناة وأسباب الفقر وشظف العيش اللذين يجثمان بثقلهما على كاهل الشعب الكادح.. وقد ساعد أشقاؤه الذين كانوا قد سبقوه في الانخراط بالنضال السياسي والاجتماعي، وأصبحوا أعضاء ناشطين في الحزب الشيوعي السوري، ساعدوه على فهم أسباب الفقر التي يعاني منها الشعب.. ولقد وجد هو أيضاً طريقه إلى الحزب الشيوعي في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

وبالطبع لم تكن لدى عائلته الإمكانات الكافية للدراسة في الجامعة، فدخل دار المعلمين في حلب، وأنجز دراسته فيها عام ،1958 وتم تعيينه في إحدى قرى الجزيرة شمال شرق سورية، وهناك كرس كل وقته وجهده لتعليم أطفال القرية. وفي عام 1959 يتعرض الشيوعي عبد المعين للملاحقة من قبل أجهزة المباحث، فيضطر للتواري عن الأنظار، ويستمر في النضال مع غيره من الشيوعيين من أجل أن لا تسقط الوحدة، ومن أجل أن يتعمق محتواها الديمقراطي والاجتماعي.

يقرر الحزب بعد أن وجد استحالة في استمرار بقائه في البلاد، أن يخرجه إلى لبنان، وأن يرسله بعد ذلك للدراسة في تشيكوسلوفاكيا، وهناك في المغترب ساهم المناضل عبد المعين في الحركة الطلابية خارج الوطن، دون أن يغفل دراسته التخصصية، وأصبح بعد فترة وجيزة رئيساً للاتحاد العام للطلاب السوريين خارج الوطن عند تأسيسه عام ،1965 إضافة إلى ذلك كان مسؤولاً للمنظمة الحزبية الطلابية في تشيكوسلوفاكيا ما بين عامي 1964 و1966.

وعند عودته إلى الوطن عام 1966 بعد تخرجه مهندساً مدنياً، انخرط مباشرة في العمل من أجل بناء سورية المعاصرة.. عمل في أمانة العاصمة في دمشق لفترة من الزمن، ثم انتقل بعد الخدمة الإلزامية للعمل في شركة الأعمال الإنشائية منذ بداية تأسيسها، وساهم في إنشاء سكة حديد حلب – القامشلي، الذي استمر عدة سنوات، وأخيراً أصبح مديراً لفرع الشركة بدمشق، وساهم بإنجاز العديد من المشاريع الإنمائية الهامة، وآخرها جسر الرئيس عند قصر الضيافة، ونتيجة الإجهاد الشديد، والشعور العالي بالمسؤولية تجاه المهمة المكلف بها، لم يستطع جسده المتعب أن يصمد أمام ذلك كله، وفي صباح 24 تشرين الثاني عام 1983 توقف عن الخفقان قلبُ هذا الشيوعي الذي سكن الوطن فيه، وكان هذا الموت مفاجئاً لأصدقائه ورفاقه، وقد استقبلوا ذلك بذهول وألم شديدين، وقد تساءل الكثيرون بألم وكأنهم يرغبون بتكذيب هذا النبأ: هل يمكن أن يرحل هكذا فجأة تاركاً وراءه مشاريع كثيرة للإنجاز، وأصدقاء اعتادوا على العمل معه منذ ثلاثين عاماً من أجل حرية الوطن وسعادة شعبه؟

بيد أنها الحقيقة القاسية.. لقد أدمى الخبر القاسي قلوب كل من عرف هذا الشيوعي المقدام.. إن تواضعه الجم وطهارته وتفانيه المخلص في خدمة الوطن ومن أجل حياة أفضل لكادحي سورية، وتمثّله لأهداف حزبه الوطنية والاجتماعية، وللمثل الإنسانية العظيمة، إن كل تلك الصفات النبيلة جعلت منه مثالاً يحتذى ويحوز على احترام وحب من يعمل معهم، وقائداً شعبياً حقيقياً دون أي قرار. لقد بكاه بعفوية المئات من رفاقه العمال، ممن عملوا معاً كتفاً إلى كتف، وهم يودعونه إلى مثواه الأخير.

كان عبد المعين الرجل الذي يحتاجه زمننا الصعب، حيث تنمو الطفيلية وتشوه القيم الإنسانية، كان الرجل الصامد بصلابة، لا يحني الرأس أمام إغراء الحياة الرخوة الميسورة، فجذوره ممتدة عميقاً في تربة العمل الدؤوب والحياة النقية الخالية من كل زيف.

لقد رحل عبد المعين الحلاق بعد حياة حافلة بالنضال والنشاط الذي لا يكل من أجل بناء الوطن ودفاعاً عن مصالح الكادحين، وستبقى ذكراه عطرة وندية ولن تنسى.

العدد 1107 - 22/5/2024