في انتظار تدخّل الحكومة .. تمزّقت الأحزمة

شهدت الأسواق السورية ارتفاعاً هائلاً بالأسعار، هذا الارتفاع طال كل شيء، من أجور وسائل النقل إلى أسعار العقارات، وفي الوقت الذي تحلق فيه أسعار مختلف السلع، تتراجع قيمة النقد، بمعنى آخر لقد فقدت الليرة السورية جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية، فمنذ بداية الأزمة.. والغزو الإرهابي، تعرضت الليرة لانخفاض متدرج في قيمتها، مما تسبب بقفزات كبيرة وسريعة للأسعار، مع ثبات نسبي بدخل المواطن، وبانخفاض القيمة الحقيقية للأجور، لم يعد دخل المواطن يتناسب مع الإنفاق على الإطلاق.

من المؤكد أن راتب موظف القطاع العام، شهد زيادة خجولة، فقد يصل متوسط الأجر بأحسن أحواله إلى 30 ألف ليرة، ويبقى أصحاب الأعمال الحرة من التجار وأصحاب المحلات وأصحاب المهن اليدوية هم الأفضل حالاً، أما من يعمل عندهم من عمال فحالهم كحال الشريحة الأوسع في البلد من أصحاب الدخل المحدود، ينالون حصتهم من التعب والأجر الزهيد والمعاناة المستمرة، لتأمين مورد إضافي يخفف عبء النفقات التي لا تنتهي.

وحسب إحصائيات غير رسمية، تحتاج الأسرة السورية المكونة من 5 أفراد، إلى ما يقارب 200-250  ألفاً في الشهر كمتوسط للإنفاق، للمحافظة على مستوى معيشي متوسط، ولتأمين احتياجاتهم الضرورية فقط. وهذه الإحصائية تثبت أن المواطن السوري يعيش حسب موارد محدودة، فهو لا يستطيع تأمين سوى ربع المبلغ، أي أنه يواجه عجزاً مالياً كبيراً في كل شهر، مما سبب هوة لا يستهان بها بين دخل الفرد والأسعار المرتفعة.

كما أظهرت الإحصائيات، أن ما يقارب ثلث الشعب السوري اضطروا للخروج من مناطق سكنهم ومدنهم ونزحوا قسرياً وتركوا خلفهم الغالي والثمين، بيوتهم وأعمالهم ومحلاتهم، وما تحتويه من رزق كبير وجنى عمرهم، وحطوا رحالهم في منطقة جديدة آمنة، حاولوا البحث فيها عن سكن وعمل.

السيد (ك،ح) واحد من الذي أُجبروا على ترك مدنهم، روى لنا عن مشقة تأمين المصاريف ومستلزمات أسرته، فقال: أعمل في القطاع العام، يصل مرتبي إلى 40ألف ليرة، كما أنني أعمل بعد الدوام كسائق لسيارة أجرة، أجني منها ما يقارب 35ألفاً، فيصل دخلي الشهري كاملاً إلى 80ألف ليرة أحياناً، نسكن بالإيجار مقابل 50ألفاً،
ولا يبقى لأسرتي المؤلفة من 4 أشخاص سوى 30 ألفاً، يجب عليّ أن أدبر أموري المعيشية بها طوال الشهر، وهي لا تكفي طبعاً، لذلك أعتمد على المساعدات، فهي تعينني وعائلتي، فقد أصبحت الحياة قاسية، والغلاء لا يحتمل، فلم أعد أستطيع تحمّل أجرة الطبيب إن مرض أحد أفرد أسرتي، بتّ آخذهم إلى المستوصفات الصحية والمشافي العامة،
فلا يوجد وصفة طبية بأقل من 2000 ليرة، كما أنني أخشى على أطفالي من الجوع، فنحاول أنا ووالدتهم أن نكتفي بوجبة واحدة، لتوفير بعض الطعام لهم كوجبة ثانية، لم أعد أستطيع شراء اللحم والدجاج إلا ما ندر، وأصبحنا نعتمد على الحبوب والخضراوات الموسمية، أما الفاكهة فأصبحت ترفاً بالنسبة إلي.

أما (م، س) فقالت: إن راتب زوجي 60 ألف ليرة، يبقى نصفه بعد دفع إيجار البيت، ونحاول أن نعيش حسب دخلنا، ولكن سنرزق يطفل عما قريب، مما سيسبب لنا ضغطاً إضافياً، وزيادة بالمصاريف لتأمين مستلزمات طفلنا،
لقد اشتركنا بجمعية مع بعض الأصدقاء، لمحاولة تأمين مبلغ الولادة للمستشفى الذي أصبح مرتفعاً جداً في السنوات الأخيرة، ومنذ زمن طويل أبحث عن عمل كمدرسة خصوصية، أو في مدرسة خاصة، لكي أستطيع رفع مستوى معيشتنا قليلاً، ونتعالى عن ارتفاع الأسعار الذي يستنزف طاقة الناس على الاحتمال.

وعندما تحدثنا مع (أ، م) قالت لنا إنها تعمل كمدرسة، من أجل أن تساعد عائلتها بمصروف البيت ومستلزماته، وتخفف عن والدها عبء مصروفها الجامعي والشخصي، فقد قالت إنهم في الفترة الماضية اضطروا أن يستدينوا المال في كل شهر، ليستطيعوا تأمين احتياجاتهم، وأشارت إلى أن التجار لا يرحمون أحداً، يرفعون الأسعار حسب أهوائهم ويتذرعون بالدولار،
رغم ثباته المؤقت أحياناً، فهمّهم الوحيد ملء جيوبهم بالمال، على حساب محدودي الدخل والفقراء، وعلى وجه التحديد الآن في رمضان، الجميع يحاول استغلال هذا الشهر الفضيل، ورفع أسعار الطعام والشراب لزيادة إيراداتهم، ومع اقتراب العيد يبدأ الناس بالنزول إلى الأسواق لشراء ملابس الجديدة، ولكن أصحاب هذه المحلات يرون بأنها فرصة للاستفادة ورفع أسعار الملبوسات، وتحصيل أكبر قدر من الأرباح، وللأسف لا يوجد رقابة فعلية عليهم، مما يدفعنا مرغمين على اقتناء الملابس المستعملة.

وهنا يجب طرح السؤال الذي لطالما فرض نفسه، ولم يكن له جواب شافٍ يروي ظمأ المواطن؟ أين هي جمعية حماية المستهلك؟ ولماذا لا تمارس دورها بشكل فعال؟ لماذا لا تتخذ الحكومة السورية قراراً بزيادة رواتب الموظفين بشكل يتناسب مع الغلاء؟ هل الحكومة بعيدة عن الشارع السوري إلى هذا الحد وغير قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة تحمي المواطن من تداعيات الحرب واستغلال التجار؟ إلى متى سيبقى المواطن السوري يعيش بهذا العجز المالي؟
ومتى ستقرر الحكومة أن تعيد الدعم للمستلزمات الأساسية من سكر وأرز ومحروقات التي كانت تخفف من حجم الإنفاق؟ ومتى ستفي بوعدها بطرح ما يسمى السلة الغذائية التي تحتوي على مختلف أنواع المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن ذو الدخل المحدود وتوفيرها بالسعر المقبول والمناسب له؟

لعلها تكون الخطوة الأولى، في طريق السيطرة على الأسعار، والحد من الغلاء، وحسب اعتقادي فهي لن تحل كامل المشكلة، إنما ستساعد الأسرة ولو بشكل طفيف، كما نعتقد بأن دعم الشباب والمستثمرين لفتح مشاريع جديدة، توفر فرص عمل وتستفيد من طاقات الشباب العاطل عن العمل، فقد وصلت نسبة البطالة إلى نحو 60% وهي نسبة مرتفعة جداً.

وريثما تتخذ خطوات جدية وفعالة يبقى المواطن يعيش في كهف الدخل المظلم، يواجه غول الأسعار الضخم عبر ضغط النفقات، والشدّ على الأحزمة التي تمزقت.. واللجوء إلى الاستدانة، والعمل لساعات طويلة، كي يؤمّن دخلاً إضافياً يعينه في تلبيه احتياجاته الضرورية.. الضرورية لا غير.

ولاء رضا العنيد

العدد 1105 - 01/5/2024