وجوه الفرح المشوّه بين الأزمة والعيد

كل شيء تغير في بلادي ولم يعد على حاله، فالحرب دمرتنا كما دمرت الحجارة، وحولت قلوبنا إلى كتلة من بقايا رماد محترق بالحزن على أيام كانت الضحكات الصادقة فيها تملأ كل ثغر، والحياة الهادئة تسود كل بيت.

 ولكن اليوم، وفي الوقت الذي سلبت السعادة منا أصبحنا نحاول أن نعيد إشعال بريقها من جديد في كل فرصة، لكي نسرق من هذه الأيام السوداء لحظات ملونة تعيد الفرح إلى حياتنا، فلم يعد هناك نكهة لأوقاتنا التي أمست بالطعم المر ذاته الذي نتجرعه منذ سنوات.

لهذا تعلمنا أن نحافظ على هذه اللحظات الجميلة وأن نطيل أمدها ونستمد منها طاقة إيجابية تقوينا لمجابهة الآتي من الأيام، فسويعات الفرح التي جاء بها العيد تحمل بارقة أمل لزمن أجمل وأفضل.

رغم أن هذا العيد كغيره من أعياد السنوات العجاف التي نمر بها  إلا أننا نجد السعادة فيه قد أتت بأثواب متعددة، فنجده بلقاء عزيز غائب أبعدته الحرب عنا وأسكنته ببلاد أخرى، نراه باحتضان أم لابنها المجند الذي أمضى أعياداً كثيرة بعيداً عن أسرته، فبات لهذا العيد ذكرى خاصة بوجوده بينهم،
 ويظهر عبر ضحكة أميرة صغيرة جالسة وسط أرجوحة معلقة بالهواء ضمن نزهة جمعت الأهل والأصحاب على ضفاف نهر يحمل في ذرات مائه قصصاً كثيرة عن أيام احتضنت مروجه المئات من العائلات المحملة بأحلام وآمال لا تنتهي،
 نسمعه في حديث من عاد واستقر في منزله، نشاهده في فخر مَنْ تزامن نجاحه مع قدوم العيد كما يتراءى لنا في بريق عيني طفل وهو ينظر إلى لعبته الجديدة، ونلمسه في حرص ولد آخر وهو يحافظ على مبلغ مالي بسيط مُنحَه بمناسبة العيد،
ونلاحظه في طُرفَةِ الناس في وصف سعادتهم بعدم انقطاع الكهرباء أكثر من سعادتهم بالعيد نفسه، وفي عبارات التهنئة والمعايدات والمجاملات، فقد تعلمنا في هذه الفترة كيف نغزل ابتسامات لطيفة على وجوهنا لنرتديها فتخفي خلفها عواطف مرهقة بكم الحزن والألم والتعب.

تجتمع الأحاسيس المختلفة في كل عيد، لينشأ مزيج متناقض من المشاعر المبعثرة، ففي كل قلب حزن على ماض ولى وفرح قصير بحاضر لا نعلم كم يستمر، وانتظار مستقبل مجهول نأمل أن يأتي بخير كبير، ينهي حالة الضياع والتشتت ويفتح أبواباً جديدة لنعبر من خلالها إلى زمن لا نعرف فيه ألماً ولا نفتقد فيه أحداً ويكون كل شيء في سلام.

 

العدد 1105 - 01/5/2024