إعلامنا المحلي بنجمة واحدة… والرقيب الإعلامي هو السبب!

 بين المُعلَن والمحظور يتسربل إعلامنا الوطني بأخطائه وعثراته، فما يُعلَن فيه لا يتعدى كونه نوعاً من الخبر العادي المستهلك في أغلب الأحيان وغير المحقّق لشروط الخبر الجديد كل الجدّة والذي يحتاج للدقة والبحث عن صحته قبل نشره، أو الحامل لمعلومة فريدة يمكن أن يُبنى عليها أو تصلح لتتّكئ عليها أعمدة الصحافة!

أما المحظور في إعلامنا فهو الجانب الأكثر ظلاماً فيه، بل الأكثر ظلماً للمعلومة والمتعطشين إليها.. وحجب هذا المحظور إنما يسيء إلى إعلامنا أكثر مما قد يعتبره الرقيب الإعلامي مسيئاً لدى نشره، وهنا لا داعي للتذكير كثيراً بقاعدة (كل ممنوع مرغوب)، لأن رغبة المشاهد أو المستمع أو القارئ للخبر في معرفة المنقّح والمزيد والصحيح والفريد من الأخبار، لا تكلّفه أكثر من اللجوء السريع والمتاح إلى وسائل أخرى للاطلاع على ما حَجَبَهُ إعلامنا وغربله بسابق عزم وتصميم.

وللتوضيح هنا أكثر فما علينا سوى أن ننظر لمتابعة الناس بأكثرية لما يرد في الصحافة الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي ومتابعته على أنه صحيح، وهذه المنشورات والأخبار  بالأغلب ليست سوى منشورات لجمع أكبر كم ممكن من التعليقات والإعجاب،
فنرى في أغلب الأحيان تضارب الخبر في الصفحة نفسها أو بين صفحة وأخرى عدة مرات في الساعة مثلما حدث مثلاً يوم الأحد الماضي بخبر حدوث تفجير إرهابي في رأس شمرا باللاذقية والذي نقله المراسلون على أنه خبر صحيح ووروده في وسائل الإعلام الرسمية وهو بالحقيقة خبر عارٍ عن الصحة تماماً،
ونلاحظ هنا حتى المراسلون يجلسون خلف شاشة كومبيوتراتهم وينقلون ما يرد فيها دون التأكد من صحته، وهذا هو الكارثة الحقيقة والذي يشتت الرأي العام والجماهير المتابعة للخبر.

إن ما نتحدث عنه هو الكارثة الإعلامية بعينها -إذا صح التعبير- لأن المواطن الخاضع لهذا الإعلام سيفقد ثقته به وبالأحرى فقد ثقته به، كما سيفقد الإعلام مصداقيته لدى هذا المواطن، وهنا يكثر التأويل والتهويل ثم التعويل على إعلام آخر نظراً لأن إعلامنا بإخفاقه المذكور يكون قد حقق مقولة (آخر من يَعْلَم ويُعْلِم)…
فكيف يبدو إعلامنا (آخر من يعلم) وهو أول من يعلم أحياناً؟!…إنه سؤال برسم حضرة الرقيب الإعلامي الذي يتصرف أحياناً بشكل حر ومباشر ودون تراتيب (يجري بها العمل) أو مراحل تقودها مجموعة من الاتصالات…
فبمجرّد إحساس الرقيب الأدنى أن الرقيب الأعلى لن تروقه معلومة ما- ولو بنسبة 1%- يقوم- أي الرقيب الأدنى- بحذفها أو إيقافها أو حتى قطع البث عنها ولو كان الملايين يتابعونه، فيشعر أولئك المتابعون بصدمة لا تختلف عن صدمة قطع التيار الكهربائي أثناء الحاجة الماسّة إليه.

وفي هذه الحالة نجد أنفسنا أمام مهمة تصنيف إعلامنا وترصيعه بالنجوم المناسبة له، فيكتسي الرسمي منه – والمصنف خمس نجوم- بنجمة واحدة فقط في الوقت الذي تتصف فيه وسائل إعلام وطنية أخرى بقوة المعلومة وجرأة طرحها رغم أنها مصنفة بنجمة واحدة!

فلماذا تتناسب قوة المعلومة ومصداقيتها طرداً مع قلة عدد نجوم التصنيف؟! بل لماذا يحدث العكس؟ فالمألوف في العُرف الإعلامي أن تحتل وسائل الإعلام الرسمية الأولى أعلى درجة في القوة والمصداقية ثم تأتي وسائل الإعلام الأدنى وتأخذ عنها!

هكذا إذاً، فما يؤخذ على إعلامنا الرسمي أكثر مما يؤخذ عنه ومنه، وهنا تضيع (طاسة) المعلومة وتدخل الشفافية في الخبر غياهب النسيان.

وبالطبع لا نبالغ إذا قلنا إن العديد من المواقف الإعلامية يصبغ وجوه بعض مسؤولينا الإعلاميين بالأصفر حين يضرب خللٌ ما تقييم معلومة أو مجموعة من المعلومات في وسيلة إعلام رسمية، فنجدها أحياناً تحظر معلومة ثم تفرج عنها،
أو تحظر أخرى لتفرج عنها وسيلة أخرى رسمية مثلها، فيضطرب المسؤول الإعلامي ويتحول اصفرار وجهه إلى حمرة داكنة صهباء تشبه اختلاط مياه نهر عذبة بتربة تراكم فيها الطمي منذ آلاف السنين لأنه – أي المسؤول الإعلامي- يعتقد حينئذٍ أن الجمهور اعتقد أنه حجب معلومة لغرض شخصي أو أشار إلى نفسه ببنانه على مبدأ (كاد المريب يقول خذوني)!

وهي -في كل الأحوال- دعوة منّا إلى إعطاء وسائل الإعلام الوطنية الجريئة -وذات النجوم القليلة في التصنيف- حقها في (الرسمية) وتمثيل (الرسمي) من وسائل الإعلام الذي باءت كل وسائل إنعاشه بالفشل، فالوسائل الفقيرة بعدد نجومها ترفع رأسها بالمصداقية والجرأة وقوة التوثيق، تلك القوة التي تحمي الناشر للخبر أو المعلومة الجريئة،
وهنا فنظامية الناشر تؤهله ليكون ممثلاً رسمياً للإعلام الرسمي، بل وداعماً رئيسياً له، يؤخذ الخبر عنه ويتم اعتماده في الوقت الذي لم يجد فيه هذا الناشر طريقه إلى احتلال شاغر رسمي في وسيلة إعلامية عليا يفتقر شاغلو المناصب فيها إلى الجرأة المطلوبة ليصير إعلامنا بالمستوى المطلوب من الأداء الإيجابي…
ولا أدلَّ على ما نقول سوى أن المواطن بات يلجأ إلى صحافة النجمة الواحدة ليأخذ حقه من الخبر الجريء والمعلومة المجدية، وما نتمناه في هذا الصدد أن يأخذ المسؤول ذو القرار معلوماته من تلك الصحافة لأن مسؤولي أعمدتها لا يرجون منصباً ولا يتربصون بموقع عالٍ أو مسؤولية ضخمة لأنهم – وبكل بساطة- ارتضوا لأنفسهم التفاخر بما يشفي غليل القارئ ويحقق مبتغاه في عدم ضياع الحقيقة، فضياعها مأساةٌ تُلحق الضرر بالجميع.

 

العدد 1105 - 01/5/2024