دراما تحت الصفر (2):فانتازيا شامية مهمتها نشر الجهل بموافقة الرقابة

انتهى الموسم الرمضاني للدراما بسقوط مدوٍّ للإنتاج السوري هذا العام لتسجل أعمال عربية نسب حضور كبيرة ونجاحاً بغياب درامانا السورية التي باتت هشة وضعيفة البناء لأسباب كثيرة سوف نتناولها في هذا المقال،
وقد تحدثنا في العدد 772 من صحيفة النور بالجزء الأول من دراما تحت الصفر عن القص والضعف في الحوار المقدم درامياً، وكان خير مثال على ذلك مسلسل أزمة عائلية الذي تحدثنا عنه مسبقاً ببناءه الهش وحواراته التي يمكن أن نقول بأنها مقدمة للأطفال بنكهة كوميدية،تشاركه أعمال أخرى بهشاشة البناء الدرامي والضعف الحواري مثل جنان نسوان وسنة أولى زواج بالإضافة إلى تهريج مؤلفي الفانتازيا الشامية التي لم ترتق لمستوى النص والحوار وحتى الإخراج.

شركات الإنتاج تتحكم بها القنوات العارضة وخروج بعضها عن الإنتاج

خرجت كبرى شركات الإنتاج في سورية خلال السنوات الأخيرة عن الإنتاج بسبب الحرب التي تعيشها البلاد منذ سبع سنوات والتي أثرت على الاقتصاد والصناعة وغيرها وارتفاع تكاليف الإنتاج معها، إضافة إلى تحكم الدول الخليجية المالكة بأهم القنوات العارضة للدراما والممولة لشركات الإنتاج أيضاً  بنوعية إنتاج محددة تلبي رغباتها في أعمال تشوه السوريين ووطنهم وتغيب الحقائق عن المشاهد العربي عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي واليومي في سورية،
إضافة إلى تشويه العادات والتقاليد التي يتميز بها المجتمع السوري بإعمال ما تسمى البيئة الشامية، في حال بقي بعض الشركات التي تعود ملكيتها لرجال أعمال سوريين تعمل حتى اليوم ولكن بإنتاج نص أو اثنين خلال العام وتلاقي هذه الشركات صعوبة في التسويق وخصوصاً مؤسسة سوريانا التابعة لوزارة الإعلام السورية المحاربة من قبل القنوات مع أن الأعمال التي تنتجها مازالت تحافظ على جزء من المستوى الدرامي التي تميزت به الدراما السورية
ففي العام الماضي كان لها إنتاج مهم وهو مسلسل زوال الذي لم يلقَ تسويقاً له حتى اليوم وكان عرضه محدوداً وكذلك الأمر بالنسبة لهذا العام فقد خرج مسلسل ترجمان الأشواق عن العرض لأنه لم يلق قنوات عارضة له، حيث يعتبر من أهم الأعمال لهذا العام وهو من إخراج المبدع محمد عبد العزيز.

نص درامي رخيص بشروط شركة الإنتاج

في حال ظهور شركات إنتاج جديدة تعمل على إنتاج نصوص رديئة يمكننا القول عنها تجارية بحتة تلبي رغبات القنوات العارضة، إذ تتصف هذه الشركات بإنتاج أعمال بأقل تكاليف بدءاً من شراء السيناريو بسعر زهيد إلى اختصار التصوير بلوكيشن واحد أو اثنين،
حيث يتم العمل على طلب المنتج بكتابة نص من كاتب مبتدئ في أغلب الأحيان لديه محاولات كتابة بشروط تكلفة الإنتاج تكون قليلة ولا يهم المستوى الدرامي للنص ولا المعايير القائمة على المعالجة الدرامية والأسس الصحيحة للبناء الحواري في النص،
إضافة إلى التحكم بالمخرج أو الاستعانة بمخرج جديد، لذلك فضل الكثير من المخرجين الابتعاد عن العمل احتراماً لمهنتهم في حين قبل بعض المخرجين العمل ضمن شروط المنتج وخصوصاً في الأعمال العربية التي يفرض فيها المنتج الممثلين على المخرج وغيره الكثير.

فانتازيا شامية خارجة عن احترام البيئة والعادات

الدراما والسينما الغربية سواء التاريخية أو الخيال العلمي..الخ عند مشاهدتها ترفد ثقافتنا برموز بيئتها الحضارية والمعمارية فمثلاً لا يصور مسلسل في روما إلا ويظهر فيه المخرج تفاصيل روما والحضارة المعمارية الجميلة، وللأسف هذا ما نفتقده في درامانا السورية التي بات صانعوها في السنوات الأخيرة
وخصوصاً ما تسمى أعمال البيئة بالإساءة عمداً لتراثنا السوري الغني بالقيم الإنسانية والأخلاقية بإفراغه من مضمونه، فبتنا لا نرى في هذه النوعية من الدراما سوى الغوص في قاع  مستنقع الجهل وجعل هذه الحارات التي لا يمكن أن تكون شامية كما يصفونها بهذه العادات والتقاليد الجاهلية،
والذي يكتفي مخرجها بثرثرات النساء والفتن بينهن وزعامات واكروزات رجالها الذي غيب عن عقولهم الحكمة والمنطق، وللأسف هذا النوع الدرامي السيئ قد أثر سلباً خلال سنوات على المجتمع، فنرى الكثير من شبابنا وأطفالنا يطلقون على أنفسهم مصطلحات القبضاي والعكيد وغيره بالإضافة إلى حمل الشباري وغيره،
وهذا النوع من الدراما تموله قنوات خليجية وبالخصوص باب الحارة الذي بات مجرد صور استهزاء وتهريج لا أكثر بخروجه عن الدراما ومعاييرها وتنتجه الــ MBCوللأسف مازال يلقى أعلى نسبة مشاهدة بسبب غياب الرادع الرقابي والثقافي والتوجيه الإعلامي للمشاهد السوري،
ولا نكتفي بباب الحارة فهناك أعمال أخرى تندرج تحت مسمى بيئة شامية وبالأحرى (فانتازيا الكاتب والمخرج) والتي لم نر فيها جديد سوى التشوية ونشر الجهل والتخلف العقلي في جيل الشباب والذي لا نستطيع نكرانه زيادة العنف وجرائم الشرف وغيره في هذا الجيل، والسؤال هنا أين رقابتنا من هذه الأعمال أم بات قبضهم لبعض الدولارات أهم من ثقافة وطن تقدم مشوهة وتعمل على نشر الجهل لدى الجيل.

 

العدد 1105 - 01/5/2024