التقرير المقدم للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد

الرفيق نمر في التقرير المقدم للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد:

 الجيش السوري ضمانة السوريين في مكافحة الإرهاب

 استمرار تدني الأحوال المعيشية للمواطنين  الفساد ينهش في الاقتصاد الوطني

قدم الرفيق حنين نمر الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد تقريراً سياسياً في اجتماع  اللجنة المركزية للحزب بتاريخ 11/8/،2017 هذا نصه:

أيها الرفاق الأعزاء..

لم يعرف التاريخ المعاصر وضعاً سياسياً مضطرباً ومتقلباً ودقيقاً وخطراً في المشرق العربي كالوضع الذي نحياه حالياً.. وفي الواقع لا نحتاج إلى كثير من التحليل لنصل إلى الاستنتاج الذي توصلنا إليه، نحن كحزب، مع جميع القوى العربية والتقدمية العربية، ألا وهو أن حركة التحرر الوطني العربية اليوم هي في حالة من الصدام مع الإمبريالية والرجعية العربية ومع الصهيونية العالمية ومع الإرهاب أيضاً، صدام موجود بالأساس على أرض الواقع، لكنه يزداد حدة وتفجراً إلى الحد الذي يجعل الدمار وسيل الدماء يتدفق في الشوارع العربية جارفاً معه مئات الألوف من الضحايا، ومثلهم من الجرحى والمخطوفين والمهجرين في حرب ظهر فيها كل ما كان نادراً في الحربين العالميتين السابقتين.

لم نستغرب كل ذلك، بل كان الاستغراب منصبّاً على الأشكال القذرة التي اتخذتها الحرب المستعرة في منطقتنا ويتحمل مسؤوليتها الكاملة الإرهابيون من أي فصيل أتوا، ومن ورائهم تركيا والسعودية وقطر وفوقهم وعلى رأسهم الوحش الأمريكي الضاري.

والمسؤولية التي يتحملونها هي مسؤولية سياسية وقانونية وقضائية وإنسانية وتاريخية.

أما نحن كما قلنا قبل قليل فقد نظرنا إليها على أنها جولة جديدة من جولات الصراع في المنطقة، فالولايات المتحدة تحاول إحكام الحصار حول المنطقة والاحتفاظ بالموقع القيادي والمهيمن الذي تتمتع به منذ دخلت المنطقة على حساب النفوذين الإنكليزي والفرنسي في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وهذه كانت تنجح على العموم بسبب فقدان القطب المقابل لها.. فالشعوب العربية كانت تقاوم بأبسط الأدوات وفي ظل أضيق الإمكانات، بينما كان الحلف المعادي يبذل أقصى الإمكانات، ليس لحفظ مواقعه المتقدمة في الشرق الأوسط فحسب، بل كذلك لفرض هيمنته على العالم كله بما فيه أوربا وبحر الصين والهند وآسيا، فالإمبريالية لا تشبع ولا تكتفي بما سرقته، وكل نهب جديد يستدعي المحافظة على النهب السابق وهكذا.

ما سبق يؤكد ضراوة المعركة، وأهميتها، وخاصة أن أحدث وأرقى تكنولوجيا الديماغوجية والتضليل الإعلامي قد سُخرت تسخيراً تاماً لهذا المخطط الجهنمي، ديماغوجية تمكنت من احتواء بعض المثقفين باسم الديمقراطية وباسم المطالب الشعبية المحقة، لكن قسماً منهم قد أعاد النظر بمواقفه السابقة التي لم يدعمها الواقع.

أجل، ما يدور الآن هو شبه حرب عالمية ثالثة بأدوات وأساليب ومصالح مختلفة وباصطفافات متعددة وغير مستقرة بعد.. ولابد إذاً من التعريج على الوضع الدولي عله يساعده على اكتشاف ضبابية المشهد العربي والداخلي.

لقد كان انتخاب ترامب رئيساً لأمريكا مفاجئاً جداً، ليس لطروحاته المتقلبة فقط، بل لأن مزاجيته، وهي الثابت الوحيد حتى الآن، قد تهدد العالم، وتقلباته قد تذهب بنا وبباقي شعوب العالم بعيداً نحو المجهول، وقد يكون صوب حرب عالمية جديدة، ولماذا لا.. ألم تكن شخصية هتلر عنصراً دافعاً نحو الحرب العالمية الثانية؟

ومما تخشاه الشعوب أن ترامب سيتصرف وفق عقلية تاجر العملات والمصارف، خاصة أن هذا الصنف من الرأسماليين ضعيف الاهتمام بالبشر ومصالح المجتمعات وبالقيم الأخلاقية وغيرها، فهو يحمل عقلية المقامر والتاجر اليهودي، وهو يحاول الآن نقل تجربته الطويلة في المقامرة ليطبقها في السياسة، وكان عنوان سياسته الخارجية: العلاقة مع روسيا. لقد بدأها منذ كان مرشحاً للرئاسة ببعض الأفكار الجديدة، لكن خصومه قاوموا بشدة عملية تقارب روسي أمريكي يحظى بدعم فرنسا، وجرى تقارب ألماني روسي وفشلت محاولة دق إسفين بين الصين وروسيا.

إن جميع هذه التحركات الدولية تدور حول عدة قضايا لها علاقة بالجنس البشري وبالمصالح الآنية.

ففي قضية مثل تغيرات المناخ هناك إجماع دولي، ولكن في قضية مثل فرض عقوبات إضافية على روسيا هناك انقسام دولي حوله تصطف فيه أوربا ضد الموقف الأمريكي. إن مسألة العقوبات هذه التي فُرضت على ترامب فرضاً من قبل الكونغرس قد تؤدي إلى استفحال التناقضات الأمريكية الأمريكية، وقد يكون الهدف من ورائها هو ابتزاز روسيا وإجبارها على التنازل عن المواقف المتقدمة التي وصلت إليها في الشرق الأوسط وأهمها المسألة السورية والعراق واستتباعاً اليمن ولبنان.

إن الدخول الروسي على خط الأزمة السورية، قد قلب ميزان القوى في المنطقة، ووجه ضربات كبيرة للنفوذ الأمريكي، وسيكون له تأثير كبير على التوازنات الدولية، ومن الأهمية بمكان متابعة تقلبات الموقف الأمريكي، والتناقضات التي قد تستفحل بينه وبين حلفائه الأوربيين، وإلى أين ستصل؟

برزت بالأمس أزمة جديدة وهي أزمة العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على فنزويلا بذريعة انتخاب جمعية تأسيس جديدة فاز فيها حزب الرئيس مادورو، وعوقب هذا البلد المستقل، لكن نزاهة الانتخابات والفوز القوي للحزب الحاكم، هو صفعة للسياسة الأمريكية التي تخشى أن تمد روسيا يد المساعدة للحكم الوطني في فنزويلا، ومن الضرورة بمكان القيام بأوسع حملة تضامن مع هذه الجمهورية البوليفارية الوطنية لإفهام أمريكا أن سيطرتها على العالم أصبحت من الماضي.

لقد تغير المناخ السياسي العالمي بشكل سريع وحاد بعد العقوبات الأمريكية الإضافية على روسيا، لأسباب غير موثوقة تتعلق بمزاعم حول تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، كذلك الشيء ذاته تجاه كوريا الديمقراطية وإيران.. إن التفاعلات التي خلقتها قضية العقوبات كانت حادة، والأكثر حدة منها هي ردود الفعل عليها، التي أعطت صورة عن الملامح الجديدة للعالم القادم الذي لا يرضخ لإرادة القطب الأكبر، فقد أخذت الدول المعاقَبة نهج تدعيم الروابط فيما بينها، وإيجاد أشكال جديدة أرقى وتتسم بطابع استراتيجي، وهنا نتكلم عن مشروع محور روسيا – الصين – إيران- أستانة بيلاروسيا- دمشق – بغداد – كاراكاس.

كما أن هناك حديثاً يتعلق بمجابهة إيرانية -روسية مشتركة ضد الاقتصاد الأمريكي تتمثل بالتبادل التجاري بينهما بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار.

أيها الرفاق!

قد توحي هذه الصورة بالتشاؤم وباقتراب مواجهة ما بين روسيا وحلفائها من جهة أخرى، لكن توازن القوى العالمية الراهنة والخطر الكامن على البشرية من الحريق النووي المتوقع، يلجم جميع الأطراف ويجبرها على اللجوء إلى التعقل والحكمة في اتخاذ القرارات الكبرى، لكن ذلك ليس كل شيء، فللعامل الذاتي دور كبير ويجب أن يكون له تأثير أكبر في الحيلولة دون أن تكون لتصرفات الدول العظمى امتدادات إقليمية تؤجج الصراع الدولي ولا تساهم في إطفاء بؤر التوتر.

 إن مهمة الحفاظ على السلام العالمي مهمة يجب أن تكون ماثلة في أعين الشعوب، آخذين بالحسبان أن النضال ضد الهيمنة الإمبريالية وضد الظلم والفقر والاحتلال هو نضال من أجل السلم العالمي أيضاً.

إذاً، فإن التشابك في العلاقات الدولية واتساعها واشتداد مطامع الإمبريالية بشعوبنا، والاعتقاد السائد لديها أن المد الوطني والاستقلالي آخذ بالاتساع قد ألزمها ببذل المستحيل لكيلا تخرج من المنطقة مهما ازداد اهتمامها ببحر الصين.

إن الوضع العربي هو نموذج لتداخل العوامل الداخلية (حياة الشعوب العربية) مع السياسات الخارجية للأنظمة العربية وللصراعات الدولية، تداخل السياسة مع الاقتصاد، مع الاكتشافات البترولية والغازية حالياً ومستقبلاً ومرور أنابيب النفط من هذه الدولة أو تلك.

لقد انفجر أحدث صراع خفي في المنطقة، وهو الصراع السعودي – القطري، الذي لن ندخل في تفاصيله الطويلة الآن، بل نؤكد أن هذا الصراع هو صراع اللصوص على اقتسام الثروات الهائلة، وهما نظامان خُلقا من قبل الغرب لضبط إدارة إنتاج الثروة وتوزيعها، وليس لتنمية الشعوب العربية. ومن ضمن الصراع المرير الذي تقوده أمريكا للاحتفاظ بالمنطقة وإعادة ترتيب قواها على ضوء التطورات المتعلقة لها وفشل حملتها على سورية، والمستنقع الذي تغوص به ربيبتها السعودية في اليمن، وقع الصراع السعودي – القطري للاستحواذ على القرار السياسي لدول الخليج بعد أن حصل الانقلاب الذي قيام به ولي ولي العهد واستلامه مقاليد الأمور بالكامل.. وقد يكون هناك دوافع نفطية عميقة بين النظامين، لكن البارز هو التغريد القطري المستقل ومحاولته التأثير في الداخل السعودي، وكذلك الدور الوهابي المتصاعد، والخلاف حول آفاق الحرب على سورية ومستقبلها، ومن هم أدواتها وأهدافها في المرحلة القادمة.

إن النزاع الخليجي هذا قد ألحق التصدع بمجلس التعاون الخليجي الذي هو ركن من أركان المؤسسات الإمبريالية المالية والنفطية في العالم، وضربة موجهة للنظام السياسي العشائري وللأوليغارشيا البدوية في المنطقة، ولابد من أن تستفيد الحركات الشعبية (على ضعفها) من تصدع هذه الأنظمة. ومن حيث المبدأ، فإن نتيجة مباشرة قد تحققت حتى الآن، وهي فشل المشروع السياسي الذي يتخذ عنواناً له هو أنه يستبدل بالعدو الإسرائيلي عدواً وهمياً هو إيران. وهنا نرصد تحولاً استراتيجياً خطيراً تحاول الطغمة السعودية تمريره على العرب، وهو إعلان ما يشبه التحالف السعودي – الإسرائيلي الذي تهيئ له أمريكا الأجواء وفق ما يسمى مبادرة أمريكية جديدة (لا فرق هنا بين أمريكا ترامب، وأمريكا كلينتون أو كيري فيما يتعلق بالمحافظة على قوة إسرائيل).

الخسارة الكبيرة للسعودية التي لا تعوض هي في فشلها في اليمن، الذي عجزت عن تطويعه بعد حرب هائلة دامت أكثر من سنتين وماتزال مستعرة، رغم الفارق النوعي في أوضاع كل من الطرفين المتصارعين، إنه حقاً فشل كبير ستدفع الطغمة الحاكمة ثمنه غالياً.

وإذا كانت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب، فقد ثبت أن الشعب الفلسطيني يعي هذه الحقيقة تماماً… فقد كانت هبّته الشعبية الواسعة النطاق أو انتفاضته إذا شئت، كانت برهاناً قاطعاً على أنه ما من قوة بقادرة على تغييب القضية الفلسطينية على الإطلاق، وهناك إجماع شعبي عربي على إحدى أهم نتائج الحرب القذرة ضد سورية كانت إبعاد الاهتمام عن قضية فلسطين، ولكن هذه الهبة الأخيرة أثبتت أن هذه القضية مرتبطة بكل الحروب الفرعية في المنطقة.. وبعد سبعين عاماً من الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي لفلسطين تمكن الشعب الفلسطيني، بالضحايا التي دفعها، من إبقاء ثورته حية ولم تنفع أي وسيلة إسرائيلية أو إمبريالية في إطفاء شعلتها.

علينا أيها الرفاق إدراك أنه لا سلام في المنطقة دون حصول الشعب الفلسطيني على حقه في دولة وطنية مستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للفلسطينيين. وعلينا إحكام الربط بين القضية الفلسطينية وقضايا حركة التحرر الوطني الأخرى، وإيجاد أشكال متطورة من أجل العمل المشترك مع القوى الفلسطينية المختلفة، خاصة مع تلك التي لم تضيع الهدف أو البوصلة يوماً ما.

ويقودنا الحديث عن المقاومة العربية والتصدي للرجعية العربية وإسرائيل إلى الإشادة بالنصر المؤزر الذي حققه حزب الله والجيش اللبناني، بالتعاون والتنسيق الرسمي والمعلن مع الجيش السوري، فقد جرى تسطير ملحمة بطولية هي معركة جرود عرسال الصعبة والمعقدة، وقد نجحت جهات هذا التحالف في سحق جبهة النصرة، والفصل الثاني من هذا الإنجاز سيكون في المناطق حيث تسيطر داعش في بعض الجرود خلال الأيام القادمة. إن أهمية ما حدث لبنانياً تكمن في أن بعض الفئات اللبنانية كانت مستعدة لعقد صفقة تمنع تحرير هذا الجزء حتى لا يستفيد من إنجازه الحلف الوطني اللبناني المشار إليه، لكن الروح الوطنية التي ترسخت في دماء الجيش اللبناني في خضم تعاونه مع المقاومة قد أحبطت هذا الموقف من بعض الفئات اللبنانية وعرّته تماماً وفسحت المجال أمام انخراط الجيش اللبناني في تحالف مبدئي مع المقاومة، ومع سورية سيكون له انعكاساته على مسار حركة التحرر العربية وعلى تكوّن خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة.

وعلى المنوال ذاته برز العراق كقوة شجاعة ومقاتلة، وبالرغم من تعقيدات الوضع السياسي الداخلي فيه، فقد تمكن من صهر معظم أبنائه في بوتقة واحدة هي تحرير العراق من عصابات الإجرام الداعشية، واصطدام هذا الهدف مع نعرات سياسية ومذهبية مؤسفة، اتخذت طابع نزاعات سنية – شيعية (مع الأسف الشديد لاستعمال هذه التعابير)، ثم اتخذت طابعاً سياسياً، إذ دخلت السعودية على الخط دعماً لبعض الفئات كما ثبت وجود تآمر متعدد الاتجاهات ساعد على احتلال الموصل من قبل الإرهابيين قبل ثلاث سنوات.

لقد خاض الجيش العراقي حرب تحرير الموصل بعد دمج الحشد الشعبي بالجيش العراقي رسمياً، وبقيت بعض أجزاء العراق مثل تلعفر بيد الإرهابيين.. إن الأمل كبير في إنجاز عملية التحرير هذه في فترة قريبة جداً.. لقد أفرزت حرب الموصل استنتاجاً استراتيجياً هاماً جداً وهي أن الجيشين السوري والعراقي هما جيش واحد إذا تعلق الأمر بالقتال المشترك ضد داعش والاحتلالات وقوى التفتيت والتقسيم.

لقد مهد تحرير الموصل لتأسيس علاقة تحالف استراتيجية بين القطرين الشقيقين، سيلعب هذا التحالف، إن تأسس، دوراً مفصلياً على مستوى العلاقة بين روسيا والصين وإيران والعراق ولبنان وسورية.

وهكذا أيها الرفاق.. نحن نرى أمامنا لوحة معقدة ذات عدة أوجه، الكثير منها يبعث على الأمل.. لقد ضحت سورية بأكثر ما يمكن تصوره من تضحيات تبعث على الإيمان الراسخ بقدرة شعبها العريق على حماية استقلاله وحدوده، وسيسجل التاريخ أن سورية هزمت أشرس عدوان إمبريالي – صهيوني – رجعي – تركي.

إن الوضع الداخلي السوري يتفاعل وفق تعقيدات اللوحة السياسية الإقليمية والدولية وقبلها الداخلية.

دخلنا العام السابع من الحرب القذرة التي شنت على بلدنا، ومن يتطلع قليلاً إلى الوراء يثق بأن شعبنا وجيشنا قد حققا ما يشبه المعجزة بوجه مئات الألوف من المرتزقة المدعومين دولياً.

فبإمكاننا القول إن سورية قد أصبحت بلداً لا يمكن إسقاط دولته، وإن وحدة سورية وحدودها أصبحتا مصونتين إلى حد كبير، وأن دماء الشهداء ومعونة الأصدقاء لم تذهبا هدراً.

إن شعار تقسيم سورية قد سقط إلى الأبد، ولن يوجد في سورية من يتمكن من إنقاص مساحة سورية متراً واحداً عن 185 ألف كم2 بما فيه الجولان، وليس في هذا التصريح أي موقف عاطفي على الإطلاق.

إن الدخول الروسي إلى سورية هو عمل طبيعي ومشروع رداً على دخول مئات الآلاف من المرتزقة الأجانب مع أسلحتهم الفتاكة إلى بلادنا تسللاً من تركيا والأردن ولبنان، بدعم غربي عالي المستوى، وهو موقف إنساني وأخلاقي وسياسي وقانوني مشروع ما دام يوجد تدخل أجنبي وعربي غير مشروع، وكل تهجم على هذا الدخول مؤداه الحقيقي الرغبة في هزيمة سورية، خاصة أننا أمام عدو فاقد لأي موقف إيجابي من بلدنا وشعبنا الذي هو الموقف الأمريكي بمقابل الدولة الروسية ذات التاريخ الصديق والحليف لشعبنا والذي ليس له أي تاريخ إمبريالي معنا.

أيها الرفاق!

في هذه الأثناء يخوض جيشنا العربي الباسل أعنف معاركه في سبيل تحرير المدينة الغالية علينا وهي دير الزور التي تقاوم بشجاعة نادرة، ومايزال مصير المدينة العزيزة الأخرى الرقة غير واضح المعالم.. إن جيشنا يتقدم في ريفها بينما سبق لقوات (قسد) أن استولت على أجزاء منها، وكلا الطرفين يواجه احتمالات ومهمات متعددة. ويحرز الجيش انتصارات كبيرة في مجال السيطرة على البادية الجنوبية الشرقية، التي كانت قوى الإرهاب تمدها بالسلاح الوارد من الأردن للسيطرة على السويداء ودرعا.. وتتجلى الهمجية الأمريكية بأبشع صورها في القصف المستمر على أرياف دير الزور والرقة الذي استهدف المدنيين عمداً.. وفي كل يوم يتساقط عشرات الضحايا الأبرياء، وفي أطراف الجزيرة يبقى الوضع الأمني هادئاً نسبياً، ولكن بعض الاحتكاكات ماتزال تحدث بين هذه القوات والأهالي السوريين الذين لا يقبلون المساس بالسيادة السورية في المعركة المشتركة ضد داعش التي هي عدو للجماهير العربية والكردية، والتخلص منها هو حاجة ضرورية لاستعادة العيش المشترك وفق مبدأ المواطنة للعرب والأكراد على حد سواء.

إن المصالحات تنتشر في كل مكان وتزداد اتفاقات خفض التوتر والإقبال على التسوية للكثير ممن حمل السلاح، وتعود الحياة الطبيعية بالتدريج هنا وهناك، ويعود سكان بعض القرى والبلدات إلى بيوتهم، ويجري ترميم بعض الأماكن والبيوت، وإن كان بنسب قليلة حتى الآن، إيذاناً باستئناف الدورة الاقتصادية.

ما كان ليحصل كل ذلك لولا تغير ميزان القوى لصالح سورية وحلفائها، وانعكس ذلك مباشرة ليس على الميدان فحسب، بل على الجهود السياسية.

إن مؤتمر جنيف في حالة من النشاط على إيقاع الاتصالات الثنائية الآن تمهيداً لانعقاد الاجتماع، وأطراف (أستانة) في حالة اجتماع الآن، وفي الملتقيين هناك تقدم وإن كان بطيئاً.. وللروس أيضاً فضل متميز في استمرار عمل هذين الملتقيين، بينما تروج إشاعات لا يمكن تصديق معظمها، تتحدث عن اتفاقات جانبية بين الأطراف الحاسمة، تتعلق بالشأن الداخلي السورية.

إن قوى المعارضة المسلحة تفتك ببعضها البعض، والقوى المدنية غير المسلحة تنهشها التناقضات، ويجري في داخلها فرز، وهم الآن بين معارضة الرياض ومعارضة قطر.. وهناك تصريح جديد للجبير وزير الخارجية السعودية، يطلب من المعارضة التابعة له إعادة النظر باستراتيجيتها، والتخلي عن شعارها وهو إزاحة السيد رئيس الجمهورية العربية السورية عن الحكم..

 في هذه الأثناء يتابع السوريون، وخاصة أهالي دمشق، مجريات المعركة مع بعض الجيوب الإرهابية في جوبر وعين ترما، ولكن بقلق أقل وبمعنويات أفضل، ذلك أنهم تحملوا ما لم يتحمله أي شعب آخر، نتيجة لتعلقهم بوطنهم سورية وكرههم للإرهابيين.

لكن مايزال مصدر استياء كبير لهم هو استمرار تدني الأحوال المعيشية والارتفاع الجنوني للأسعار، إذ أصبح معروفاً وشائعاً أن العجز الشهري في رواتب العاملين في الدولة أصبح يقارب 200 ألف ليرة سورية، فكيف فكرت الحكومات المتعاقبة بالتخفيف من هذا العجز، أم أن الأمر لا يعنيها؟

 اقترحنا عقد مؤتمر اقتصادي وطني لمعالجة المأزق الاقتصادي الحالي، فلم يرد أي جواب..

 طالبنا بتوسيع وتطوير الجبهة، فلم نلمس مؤشرات إيجابية حتى الآن..

 إننا نطرح أمام الرأي العام أن الأزمة تتطلب أكثر من أي وقت مضى احتضان مطالب الشعب، وأن تكون النظرة إلى الأحزاب والقوى السياسية نظرة مساواة، وأن تكون الجبهة والحزب الحاكم بالنسبة لهم عنصراً مسهلاً ومشجعاً على النشاط، ليتحولوا إلى حلفاء أقوياء، وليس إلى حلفاء ضعاف.

إن التعددية السياسية بالرغم من النص عليها في الدستور، فهي لم تدخل إلى عقول وقلوب الكثيرين من المسؤولين في السلطة الذين لا يريدون المشاركة الحقيقة فيها.

إن الفاقة المتزايدة للجماهير تولد أكثر الأمراض خطورة، فهي تولد اللصوصية، والتسول والبطالة والإجرام والخطف والانحرافات الخلقية، وأخيراً وليس آخراً تولد الفساد، هذه الآفة الخبيثة التي تنهش باقتصادنا وبأخلاق الكثيرين.. ويساعد على انتشار الفساد عدم وجود إرادة حازمة بمكافحته، ولو توفرت هذه الإرادة لكانت البلاد قد قطعت أشواطاً كبيرة.

إن ذلك يحتاج أيضاً إلى الحزم والشدة في معاقبة الفاسدين والمفسدين والإعلان عنهم وليس التستر عليهم.. إن الكثيرين من الفاسدين قد وصلوا إلى ما هم عليه نتيجة شراء الوظائف والمواقع أو نتيجة الولاءات والمحسوبيات والصلات الشخصية في ظل فقدان معايير التوظيف وإملاء الوظائف القيادية، الأمر الذي يفسر لنا ضعف الكثير من الإدارات وانحرافاتها.

إن ترميم الوضع الداخلي لجهة الانفتاح السياسي، وإجراء المزيد من الإصلاحات السياسية، وخاصة لتقوية الجبهة الوطنية التقدمية وتوسيع صلاحياتها، وإعطاء المزيد من الحريات الصحافية والخلاص من التوقيف الكيفي، وإشراك الهيئات والأحزاب بإيجاد حلول للوضع الاقتصادي، حلول يجري الإصغاء إليها وتنفيذها، وليس وضعها في الأدراج.. إن كل ذلك هي إطار ومناخ وبيئة فعالة لمساعدة جيشنا الوطني في مهمته المقدسة في القضاء على الإرهاب والإرهابيين وتحرير الأجزاء التي يسيطرون عليها من أرض الوطن، وللصمود في وجه المحاولات الأمريكية لخلق قواعد عســكرية لها على الأراضي السورية، ولحماية أرضنا الطاهرة من اعتداءات وغزوات تركية كالسابق، وحماية البلاد من أي مؤامرة لتقسيمها تحت أي شعار من الشعارات.

وهو ضروري أيضاً من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، تكفل الحفاظ على الجمهورية العربية السورية بحدودها وحرمة أراضيها، ومن أجل توفير الظروف لاستعادة الجولان الحبيب.

العدد 1105 - 01/5/2024