رسائل بايدن لم تفاجئ أحداً

 لم تكن مصادفة أن يترافق الاجتياح التركي للأراضي السوري مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسطنبول.. هذه الزيارة التي استغلها بايدن لتوجيه رسائل أمريكية إلى المتدخلين في الأزمة السورية.

الرسالة الأولى وجّهها إلى (قوات سورية الديمقراطية) التي تشكل الأحزاب الكردية المختلفة عمودها الفقري، والتي حررت منبج من الدواعش، وكانت تستعد لملاحقتهم إلى جرابلس بهدف تحريرها: انتبهوا جرابلس خط أحمر، وعليكم التراجع إلى مواقعكم. الضفة الغربية من الفرات منطقة نفوذ تركي تضم معارضتنا (المعتدلة) وبضمنها عناصر النصرة.. ولن تتمتعوا بحماية أمريكا ودعمها إذا واجهتم الاجتياح التركي.

الرسالة الثانية وجهها إلى أردوغان، حين أبدى تأييده للعملية العسكرية التركية، وأسلوب (إخراجها) بإشراك ميليشيات (الحر) مع عناصر من جميع المنظمات الإرهابية، مترافقة مع الغطاء الجوي الأمريكي، هروباً من الموقف الأمريكي الذي أعلنه أوباما سابقاً بمعارضته للمنطقة التركية (الآمنة).

أما الرسالة الثالثة فأبلغها بطريقة غير مباشرة لروسيا وسورية: سنتابع سياستنا بعرقلة أي تسوية سلمية للأزمة السورية ما لم تتضمن حصة لمعتدلينا، ومصالحنا، ولن نعارض تقسيم سورية.

رسائل بايدن لم تفاجئ السوريين، فقد خبروا جيداً منذ بداية أزمتهم مواقف الأمريكيين المناورة، التي سعت إلى تعقيد هذه الأزمة، واختراع واستزلام أطراف متدخلة فيها.. لكن المواطنين السوريين على تعدد مكوناتهم السياسية والاجتماعية والإثنية كانوا ومازالوا مصرين على مواجهة غزو الإرهابيين والحفاظ على وحدة بلادهم، وانسجام مكوناتهم في سورية الواحدة.

صحيح أن شعبنا يكره الظلم، وتهميش مصالح الأكثرية لفائدة فئات قليلة مستغلة، لكنه يكره الإرهاب أيضاً.. وفكره الظلامي ومشروعه المتخلف. مشاكلنا في الداخل نستطيع حلها من خلال توافقنا، ودون تدخل الأمريكي والأوربي والخليجي والتركي، هكذا حلّت جميع الشعوب معضلاتها الداخلية، عن طريق الحوار الديمقراطي الشامل، لكننا اليوم أمام غزو إرهابي منظم، تقوده لا شخصيات كرتونية كما يبدو،بل مجمّعات عسكرية.. مالية.. صناعية.. فكرية، تسعى إلى فرض واقع جديد في المنطقة يستجيب لمصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية.

إنها من أجل ذلك تسعى إلى تقسيم بلادنا.. وهناك مؤشرات جدية في هذا الاتجاه. أبزرها تشجيع (الفيدراليات)، وزرع الإرهاب بإمكانية نيل الحقوق عن طريق تفتيت سورية والاجتياح التركي للأراضي السورية.. هنا لا يكفي الاتفاق على حل الأزمة، بل السؤال: كيف؟ هل تريدون تفتيت سورية وتقسيمها؟ أم تنصيب سكان المغاور حاملي الأفكار السوداء وإن غيروا أسماءهم.. ولبسوا (السموكن) حكاماً على شعب ما عُرِف يوماً إلا موئلاً للضياء والنور؟!

خمس سنوات ونيف، وشعبنا يعاني النزف والتدمير والحصار الجائر، ويتطلع إلى إنهاء الأزمة السورية سلمياً،عبر التوافق بين جميع فئات الشعب السوري السياسية والاجتماعية، لكن هذا الشعب الذي عاش في الضوء، ليس له من مهل على مكافحة الإرهاب الأسود. ونحن هنا لا نضع شروطاً على أي مسعى سلمي لحل أزمتنا، لكننا نذكّر الجميع بأن ما رفضه شعبنا في الماضي لتعارُضه مع تطلعاته إلى وحدة بلاده وسيادتها.. والتحرر والتقدم والديمقراطية والعدل والعيش المشترك، لن يقبل به اليوم.

أما مستقبل السوريين فلن يكون إلا ديمقراطياً، علمانياً، معادياً للإمبريالية والصهيونية والرجعية السوداء.

 

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024