البراري السورية ضحية تجار الحرب والفقر الموحش

 يعتبر ملف الحراج والمحميات الطبيعية وحيواناتها مهماً جداً لما له من دور كبير في البيئة والحفاظ على التوازن العام لدورة حياة الطبيعة التي يعتبر حتى البشر جزء مهم منها، ولكن للأسف لم تسلم حتى الحراج والمحميات السورية من تجار الحرب المتوحشين من جهة ومن فقراء الشعب من جهة ثانية الذين هم ضحية سياسة حكومات الحرب المتتالية التي لم ترحم الشعب بقراراتها القاتلة، وعدم تطبيقها القانون الذي يحمي المجتمع البشري والبري، بالإضافة لغياب المنهجية الإدارية والخبرات التي تضع الخطط التنموية في كافة المجالات الحيوية حيث يعتبر ملف المحميات والحراج جزء منها وله قوانينه الخاصة بالقانون العام للجمهورية السورية.

الحيوانات البرية السورية إلى انقراض بنسبة 60%

نشر أحد الباحثين السوريين بمجال البيئة دراسة عميقة حول الحراج والمحميات السورية وتعتبر هذه الدراسة كارثية ومؤسفة بالمقاييس البيئية العالمية، ويعود السبب الأساسي لذلك قطع أشجار السنديان والأحراج بطرق وحشية وغير شرعية بسبب غياب الرقابة البيئية ويمكننا القول هنا أيضاً بأن أغلب رجال شرطة الأحراج مشاركون لعمليات القطع الجائر، ووفق الدراسة أن أثر الأشجار قطعاً هو السنديان والبلوط حاملي ثمار “الدوام” والتي تعتبر الداعم الأساسي لحياة حيواناتنا البرّية, والأمر الذي لا يعلمه الناس هو أنّ ثمار الدوام تعتبر غذاء فئران الحقل بنسبة 95%, والأمر الآخر والذي لا يعلمه الكثيرون أيضاً هو أنّ فئران الحقل هي غذاء حيواناتنا اللاحمة وبنسبة 90% من ذئاب وجقلان وثعالب وقطط برية ونموس والأفاعي, وجزء كبير من غذاء ضباعنا وحيوان الغرير.

ووفق ماجاء في الدراسة البيئية بأن البحث لسنوات عن سرّ تواجد قطعان كبيرة من الجقلان والثعالب النهمة في حراجنا السورية, ومن أين تؤمّن غذائها، كانت النتيجة هي أنّ غذاء وبنسبة 90% من فئران الحقل, والفئران هذه كبيرة نسبياً وقد يصل طول جسمها إلى 12سم ومع ذيلها إلى 25سم, وهذه متواجدة بكثرة في حراجنا حيث تتغذى على ثمار دوام السنديان الوفيرة, ومن المعروف أنّ أعداد الفئران البرية يكون متماشياً تصاعدياً مع كمية الغذاء المتوفرة.

وقد سمع الكثير من الناس في الآونة الأخيرة قصة نزوح الفئران من الجبال إلى المدن وهذا تم ملاحظته أن نسبة الفئران ازدادت بكثرة في المدن والمناطق السكنية في السنوات الماضية ويعزى ذلك إلى حملة القطع الإبادية لأشجار حراجنا وخاصة السنديان منها والذي يعتبر ثروة كبيرة والأغلى بين حطب الأشجار الأخرى لما له من أهمية في التدفئة والفحم الخاص بالشوي والنرجيلة، وعلى سبيل المثال في محافظة طرطوس, إذا ما استثنينا غابات البلوط العزري على تخوم محافظة حماه, فالإحصائيات تقول أنّ 90% من أشجارها قد قطعت, وهذا وللأسف حصل خلال الأربعة سنوات الأخيرة وبالتأكيد القطع مستمر حتى اليوم, وهذا يعني أنّ توّفر ثمار الدوام قد انخفض بنسبة 90% وربما بنفس النسبة تناقصت أعداد فئران الحقل في حراجنا بالإضافة للسناجب والحيوانات الأخرى التي تتغذى على الدوام وبالتالي هذا التناقص يؤدي إلى تناقص الحيوانات اللاحمة الأخرى التي تعتمد في غذائها على الفئران وغيرها من الحيوانات الصغيرة.

الطيور في خطر أيضاً:

 لن ننسى الطيور التي تعتمد في طعامها على منتجات حراجنا وثمارها من حبّ شجر القطلب وثمار الصفيرون والبيبود والريحان وغيرها من الشجيرات الحراجية, فحتى أفواج الطيور المهاجرة القادمة لتمكث في غاباتنا الطبيعية لعدة شهور, فإنها سترحل مكملة طريقها إلى دول أخرى, عندما لا تجد غذاء كاف لها كانت قد اعتادت عليه

وترجع الدراسة أن الاستمرار الوحشي بقطع الحراج سوف تكون نتيجته موت حيواناتنا الحراجية بنسبة أقلّها 60% خلال العامين القادمين وهذا الرقم مخيف جداً، فسوريا قد خسرت خلال العقد الأخير الكثير من الحيوانات المهمة عالمياً فمنها انقرض ومنها تم تهريبه من قبل تجار كبار ومن هذه الحيوانات الدب السوري والنمر والأسد والعقاب السوري الذي يعتبر من أهم الطيور الجارحة السورية وغيرها الكثير من الحيوانات السورية الأخرى.

وبالحديث عن المحميات الطبيعية فهمي لم تكن سوى كلمة وشعار لا أكثر للمسؤولين وزعرانهم من حثالات المجتمع السوري والذين لا يدركون أهمية هذه الحيوانات فقط كان همهم الوحيد هو بيع هذه الحيوانات بطرق غير شرعية إلى الأسواق الخارجية والتجارة بها، وكل ذلك يعود إلى تهميش القوانين الخاصة بالمملكة الطبيعية السورية من قبل وزارة الزراعة وأملاك الدولة وغيرها وقد ازداد الحال سوءاً والتجارة بالبراري ازدهاراً خلال سنوات الحرب فقد ترك الكثير من الشباب عملهم في مهن أخرى (مهن حرة) إلى العمل بالتحطيب والتفحيم والتجارة بها ولم يقف الموضوع عند الشباب العامل فقط بل هناك طلاب تركوا جامعاتهم ليعملوا بالتحطيب والمشاحر التي تدر أمولاً كثيرة .

 غياب دور الدولة وتهميش القانون من قبل المسؤولين جعل بلدنا يفقد الكثير من كنوزه ومكنوناته الطبيعية، فنحن اليوم أمام كارثة كبيرة حيث تعتبر بمعايير الدول الأخرى كارثة بيئية عظمى, وخسارة كبرى لسكان تلك المناطق ولسوريا وللإرث البشري, ولكن وللأسف معظم الناس لدينا يأخذون الأمر ببساطة وبشكل عابر بسبب الجهل وعدم وجود برامج توعية بهذا الشأن، وفي النهاية لا يسعنا القول في المستقبل عندما يصحى المسؤول والمواطن لن ينفع الندم أبداً فالكارثة كارثة.

وسيكون لصحيفة النور في القادم متابعات خاصة بموضوع البراري ومع باحثين في مجال البيئة السورية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024