عمليات تسويق التفاح في طرطوس لعام 2017… المعاناة تتكرر!

تحتل محافظة طرطوس المرتبة الثانية بين محافظات القطر بإنتاج التفاح، بعد محافظة السويداء، إذ تبلغ المساحة الإجمالية المزروعة بالتفاح في طرطوس 3429 هكتاراً بعدد أشجار تجاوز مليون شجرة، منها في الدريكيش مثلاً حوالي 81332 شجرة (مروي) و380538 شجرة (بعل).

ويعتمد قسم كبير من فلاحي المحافظة على ما تنتجه بساتين التفاح، ولكن يلاحَظ هذا العام زيادة الإنتاج، مع الإشارة إلى أن المحصول كان خالياً من الآفات والأمراض في الدريكيش والشيخ بدر، ومصاباً في مناطق أخرى، فما هو السبب في انتشار الأمراض في هذه الثمرة التي تعتبر مورداً أساسياً للمزارعين في محافظة طرطوس؟

في هذا الريبورتاج سوف نسلّط الضوء على عمليات تسويق التفاح في طرطوس لهذا العام.

الرابطة الفلاحية بالدريكيش

بداية الجولة كانت في الرابطة الفلاحية في الدريكيش حيث التقينا م. عزت أحمد إبراهيم للحديث عن تسويق التفاح هذا العام فقال:

بدأنا عمليات التسويق بتاريخ 14/9/2017 في الدريكيش وقدّر الإنتاج فيها بحوالي 5000 طن، وبلغت كمية المسوّق منها لغاية 24/9/2017 حوالي 51 طناً، ومن المتوقع تسويق كمية 25- 30 طناً في الأسابيع القادمة.. طبعاً يوجد تأخير هذا العام، وهذا التأخير أدى الى سقوط كميات كبيرة من الثمار نتيجة نضجها.

لست أدري ما هو المبرر ليكون القطاف كل عام في موعد واحد، علماً أن الظروف الجوية ليست متماثلة كل عام، فضلاً عن الاختلاف في المناخ بين المنطقتين الساحلية والجنوبية مثلاً… بينما تعليمات التسويق يجب ان تكون من واقع الثمار والمحصول.

الفلاح هذا العام يعاني من عدة مشاكل أهمها الإرباك في استلام ثمن المحصول، فما هو المبرر ليقوم شخصياً بمراجعة الشركة في (أبو عفصة) للمطابقة، ثم يحصل على الشيك ويراجع المصرف التجاري لاستلام حقه (قيمة محصوله)؟! ولماذا لا يكلّف رئيس الجمعية الفلاحية باستلام المبالغ وتسليمها إلى الفلاح، ما دام رئيس الجمعية يمثل الكادر الفلاحي في قطاعه، وهو مؤتمن على كل مستلزمات العملية الإنتاجية والتسويقية، فلماذا مثلاً لا يفوّض هو باستلام ثمن التفاح فيريح الفلاح من العناء وزيادة المصروف؟

الأسعار  

حُدّدت الأسعار كما يلي:

ستاركن أول 230 ل.س، والستاركن ثاني 210 ل. س، بينما سعر الغولدن أول 220 ل. س، والغولدن أول موشّح 210 ل. س، والغولدن الثاني 200 ل. س.

وبمقارنة بسيطة بين الأسعار هذا العام والأسعار في العام الماضي (التي كانت 175 ليرة لصنف الغولدن الأحمر الممتاز، و150 ليرة للنوع الأول، و115 للثاني و80 ليرة للثالث ولصنف الغولدن 165 ليرة للممتاز، و140 ليرة للأول، و105 ليرات للثاني و75 ليرة للثالث)، نجد أن الفارق جيد الى حدّ ما ومنصف للفلاح. وبرأيي الشخصي – يضيف م. عزت – الأسعار مناسبة للفلاح، ولكن قياساً بتكلفة الكيلو فإن الفلاح يتمنى زيادة السعر قليلاً نظراً إلى غلاء مستلزمات الإنتاج، كما ذكرنا في البداية… ولو جرت عملية التسويق في بداية شهر أيلول أو نهاية آب دون تأخير ففلاحنا مقتنع بهذا السعر من حقله أو من أمام منزله وبوجود العبوات البلاستيكية بشكل كاف. خسارة الفلاح من صنف الستاركن جاءت نتيجة التأخير ونضج الثمار.

انخفاض أسعار السماد

وفيما يتعلق بأسعار السماد فقد أوضح م. عزت أن أسعار السماد انخفضت، فـ (اليوريا) مثلاً انخفض من 10500 الى 7850 ل. س فيما ارتفع سعر (السوبر فوسفات) من 4335 الى 7670 ل. س، أما (سلفات البوتاس) المفقود منذ أكثر من خمس سنوات لأنه مستورد فقد أصبح ثمنه 20600 ل. س، وهو حاجة ضرورية لفلّاحنا ولمحصوله، ولكن الفلاح عاجز عن استخدامه بسبب الغلاء. نتمنى دعم الفلاح من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج وتصريفه.

… ولـ (السورية للتجارة) رأيها

في اتصال جريدة (النور) مع علي سليمان، مدير المؤسسة السورية للتجارة بطرطوس، أكّد لنا أن عمليات التسويق هذا العام هي التجربة الاولى بعد الدمج، وأضاف: لدينا توجيهات وزارية باستلام كامل الإنتاج شريطة مطابقته للمواصفات المحددة، ولا يوجد لدينا أي نقص في العبوات البلاستيكية، ولكن التأخير الذي حدث في عمليات الاستجرار ناتج عن نقل سيارات المؤسسة مواد إغاثية وإسعافية بعد تحرير دير الزور. وفيما يتعلق بالأسعار   أوضح سليمان أن هناك رضاً كاملاً من الفلاح بعد تحديد أسعار   مناسبة ومنافسة للسوق بشكل واضح.

شكّلنا اللجان المختصة بالتسويق وزودناها بالتعليمات الوزارية، وهذه اللجان تغطي كل الروابط الفلاحية في المحافظة، وجرى الحديث أثناء الاجتماع عن آليات التسويق وعن توفر الصناديق البلاستيكية لو احتاج الأمر إلى ذلك. وقد قررنا بالتنسيق مع اتحاد الفلاحين استجرار كامل الكميات التي تعرض علينا شريطة تطابقها مع مواصفات التسويق والتخزين.

مطالب محقّة

عدد من مزارعي التفاح في المحافظة الذين التقينا بهم نذكر منهم السيد أبو محمد والسيد أبو خليل تحدّثوا عن ضرورة تأمين مبيدات زراعية حديثة غير مستعملة في السنوات السابقة، لتكون فعالة ضد الأمراض والفطريات التي اعتادت وشكلت مناعة للأدوية المستخدمة حالياً، وأن تكون تحت إشراف الوحدات الارشادية لتكون فيها المادة الفعالة غير منتهية الصلاحية، إضافة إلى مراعاة خصوصية كل منطقة، فالمناخ في طرطوس يختلف عما هو عليه الحال في حمص أو اللاذقية أو حتى السويداء، مع الإشارة إلى أن بعض المزارعين لفت إلى ضرورة مساواة المزارع في طرطوس بالمزارع في محافظة السويداء، لأن المزارع في طرطوس يكافح أكثر من مزارع السويداء، بسبب الظروف المناخية السائدة في طرطوس والتي تؤثر سلباً على إنتاج التفاح ونوعيته إذا لم يكافح الأمراض.

آراء حول الأسعار

من كل ما سبق نجد أن الخاسر الوحيد في هذه العملية هو المستهلك الذي أصبح يشكو من الغلاء الفاحش لكل شيء. تقول أم أيمن: لقد أصبحنا نحلم بتناول تفاحة صباحاً قبل التوجه إلى العمل. كانوا يقولون: تفاحة ولا طبيب، واليوم بات كيلو التفاح يعادل نصف ما يتقاضاه الطبيب، فهل هذا صحّي برأيكم؟! نحن مع إنصاف الفلاح وليكن هذا من خلال تقديم مبيدات وأسمدة مدعومة له… أما السيدة هناء محمد فتقول: التفاح من الأساسيات في المنزل للكبار والأولاد وخاصة في المدرسة، ولكن من الصعب الحصول عليه في غير الموسم، فكيلو التفاح من النوع الأول أحمر وصل سعره العام الماضي إلى 250- 300  ليرة وهذا كثير جداً، والتفاح الأصفر ذو الحبة الصغيرة ويأتي معظمه مصاباً بالجرب أو الدودة بـ 150  ليرة. السيد محمود العيسى قال بتهكّم وسخرية: أنا اليوم أكتفي بالسؤال عن أسعار   الفواكه وأستمتع بالنظر إليها فقط لأنني لا أستطيع أن أشتريها على الرغم أنها من إنتاج المحافظة ولا علاقة للدولار بها، وإذا كان سعر الكيلو اليوم يتراوح بين 150- 250 ليرة في عز الموسم، فسوف يصل في الشتاء إلى 400 ليرة سورية بعد عمليات التبريد والنقل وغير ذلك،  خاصة أن بعض التجار احتكروا كامل الموسم في مناطق معينة.

أخيراً

نتمنى أن يكون تدخل (السورية للتجارة) في عمليات التسويق عامل ضمان وأمان للإخوة الفلاحين من خلال استجرارها الإنتاج بعد توفر المواصفات التخزينية والتسويقية فيه، مما يحدّ من جشع التجار. ونتمنى أن تكون أيضاً، بعد انتهاء عمليات التخزين والتبريد، عامل استقرار للسوق أيضاً بطرحها المادة في الأسواق بأسعار منافسة للقطاع الخاص! فهل سنرى ذلك على أرض الواقع بعد عدة أشهر، أم أن الأسعار   سوف تحلّق كالعادة؟!

 هذا ما ستخبرنا به لوائح أسعار بيع التفاح في الأسواق، إن التزم البائع بوضع لوائح أسعار للمواد التي يبيعها، في ظل الغياب المُزمن للتموين وحماية المستهلك!!

العدد 1105 - 01/5/2024