المنيّر في ندوة جمعية العلوم الاقتصادية: مواجهة الفكر الإرهابي بالحل السياسي والتنمية الشاملة المتوازنة

أوضح الباحث بشار المنيّر (عضو جمعية العلوم الاقتصادية، ومدير تحرير (النور))، في محاضرة بعنوان (التنمية الشاملة وعلاقتها بالوعي المجتمعي) أن أبرز العوامل التي أدت إلى اندلاع الأزمة السورية، تتمثل بعدة عوامل داخلية، سياسية واقتصادية واجتماعية، إضافة إلى مخططات خارجية تهدف إلى تشكيل شرق أوسط جديد، محابٍ لأطماع الولايات المتحدة وشركائها الأوربيين في المنطقة، ومُساير لسعي الكيان الصهيوني إلى التغلغل في المنطقة العربية).

وأشار المنيّر في المحاضرة التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية في المركز الثقافي العربي- أبو رمانة، يوم الثلاثاء 12/9/،2017 إلى أن (النجاحات التي أحرزها الجيش السوري في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وبعد لقاءات أستانا وجنيف، ونتيجة لتفاهمات روسية وأمريكية، أدت إلى وقف الأعمال القتالية باستثناء تنظيمَي داعش والنصرة، واللجوء إلى الحوار بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة. فقد شهدت البلاد بعد تحديد مناطق تخفيف التصعيد، حالة من الاستقرار، ودفع السوريين إلى التفكير في مرحلة ما بعد الأزمة).

وقال المنيّر إن (الاقتراحات التي طرحت من قبل السوريين للاستفادة مما جرى خلال سنوات الأزمة، بقيت في إطار العموميات، وركزت على بعض الإجراءات، دون التطرق إلى الأساس الاقتصادي والاجتماعي، الذي سمح بوجود بيئات تتحول شيئاً فشيئاً إلى حواضن اجتماعية لنمو الأفكار المستندة إلى الإرهاب بجميع أشكاله، وتمدّه بالقوة المادية البشرية)، مؤكّداً أن (المكافحة الجديّة للفكر الإرهابي يجب أن تستند إلى معالجة العوامل التي سمحت بوجود هذه البيئات والحواضن، ودون ذلك ستبقى مكافحة الإرهاب مجرد دراسة هنا، ومقالة هناك، وندوة يهتم بها عدد محدود من المثقفين).

الإرهاب المنظّم

وقال المنيّر إن (السمات الخاصة للمجتمعات الشرقية أظهرت ارتباط الإرهاب بفرض العقائد الدينية بالقوة، لكنها في مجتمعات أخرى اتخذت منحى فرض العقائد الفكرية والسياسية، كما في إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، والمظهر الأكثر دلالة على السلوك الإجرامي الفظيع للمنظمات الإرهابية، ظهر في الغزو الإرهابي لسورية، الذي حظي بدعم وتشجيع ومساندة من قوى التحالف المعادي لسورية، التي اندمجت خلالها مصالح المنظمات الإرهابية التي اتخذت العقائد الدينية ستاراً، مع المصالح السياسية والاقتصادية لهذا التحالف، من أجل فرض واقع إقليمي جديد، يستجيب لمصالح الطرفين، عن طريق الغزو الإرهابي).

وتطرق إلى التقرير الذي أعدّته الأمم المتحدة في سورية منذ أسابيع، وجاء فيه أن (معظم المقاتلين الشباب الذين يغادرون بلادهم من أجل الانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية في سورية، مبتدئين في دينهم، كما أن معظمهم مهمّشون اجتماعياً وسياسياً، ومستوى تعليمهم منخفض، ويفتقرون إلى أي فهم أساسي للمعنى الحقيقي للجهاد، أو حتى للعقيدة الإسلامية).

وبحسب التقرير الذي استند إليه المنيّر فإن (ثلاثة أرباع الأشخاص الذين جرت مقابلتهم في سورية، قرروا العودة إلى بلادهم، واعتُرض بعضهم من قبل حكوماتهم، كما لفت التقرير إلى أن غالبية المقاتلين الذين جرت مقابلتهم، والذين حاولوا الالتحاق بالعديد من التنظيمات المتشددة، ينتمون إلى أسر كبيرة في مناطق مختلفة ومتفرقة من العالم، ولكن ما جمعهم هو الانعزال عن التيار الاجتماعي والاقتصادي والنشاط السياسي).

وفيما يتعلق بمفهوم الإرهاب الاقتصادي، أوضح المنيّر أن (إرهاب المتحكمين بالاقتصاد العالمي أشد ضرراً على الشعوب والحكومات المعارضة لسيطرة القِطع الكبيرة على التبادل العالمي للمنتجات).

الحاضنة

ولفت المنيّر، في المحور الثاني من المحاضرة الذي جاء بعنوان (البيئات الحاضنة للفكر الإرهابي)، إلى أن (تجمعات الفئات الفقيرة العاطلة عن العمل كانت هي الحاضن الرئيسي للإرهاب الفردي والمنظم).

وقياساً على التجربة السورية مع المنظمات الإرهابية -حسب المنيّر- فإن (الحاضن الاجتماعي للإرهاب الذي تستّر بالعقائد الدينية، كان يتركز ضمن الأحياء الأكثر فقراً في المدن، لكن البيئة الأكثر اتساعاً  كانت في أرياف المدن الكبرى، خاصةً التي شهدت تهميشاً من قبل الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد الاستقلال حتى يومنا هذا، والسبب هنا يبدو واضحاً، لأن المنظمات الإرهابية كانت تستغل الفقر والبطالة والتخلف لتطرح مشروعها الجهادي من أجل العدالة وردّ الظلم، أمام مجموعة كبيرة من الناس المؤمنين البسطاء، وربما اليائسين من عدالة الأنظمة السياسية).

اقتصاد منهَك… وحصار وعقوبات

وفي محور بعنوان (في قلب الأزمة)، قال المنيّر: (واجهت بلادنا الأزمة بهياكل اقتصادية منهَكة، وقطاع صناعي وخدمي ضعيف ومتخلف، إثر عقد من الزمن سادت فيه رؤية اقتصادية نيوليبرالية همّشت الاقتصاد الحقيقي وحفزت القطاعات الريعية، فتوقفت العديد من المصانع والمعامل والورش الخاصة، وفرضت قوى التحالف المعادي لسورية حصاراً اقتصادياً عليها أدى إلى فقدان مستلزمات إنتاج الصناعات السورية، وغذاء المواطن السوري ودوائه، وصار الأمن الغذائي للبلاد مهدداً، بعد تراجع الإنتاج الزراعي، وتراجع سعر صرف الليرة السورية مقارنة بالقطع الأجنبي، وارتفعت أسعار جميع السلع والخدمات بنسب تراوحت بين 100 و900%، وفقد نحو3 ملايين مواطن فرص عملهم، وارتفعت نسبة البطالة إلى نحو58%، وازداد عدد الفقراء والمهجرين).

خسائر مباشرة وغير مباشرة

وتابع المنيّر أنه (حسب المصادر الحكومية والخاصة، فقد بلغ مجمل الخسائر التي تسببت بها الأزمة، من دون الأخذ بالحسبان خسائر المواطنين، نحو350 مليار دولار)، متطرقاً إلى تصريح معاون وزير الإدارة المحلية بأن قيمة الأضرار المباشرة التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة في سورية حتى نهاية عام ،2016 تقدر بنحو 7,360 تريليونات ليرة سورية، في حين تقدر الأضرار غير المباشرة بـ 36,540 تريليون ليرة سورية.

ولفت إلى أن (الأزمة دفعت الرساميل إلى الهجرة خارج سورية، فأدخل السوريون أكثر من مليار دولار إلى الأردن، وسجّلت فيه أكثر من 500 شركة سورية، كما بلغت الأموال السورية التي دخلت إلى لبنان نحو11 مليار دولار، وظّف منها فقط مليار دولار في النشاط الاقتصادي اللبناني)، مؤكداً أن (عدد الشركات السورية التي تأسست في مصر وصل إلى  365 شركة في عام 2012 فقط، وانتقل 80 مصنعاً سورية إليها، وتقدر الاستثمارات السورية في مصر بنحو مليارَيْ دولار، بينما بلغت خسائر الصناعة النفطية حسب أرقام وزارة النفط  نحو 66 مليار دولار).

تداعيات اجتماعية

وحول أثر الأزمة على الصعيد الاجتماعي، حسب المنيّر فإن (أسعار جميع السلع والمنتجات الحيوانية والنباتية والحبوب والأدوات المنزلية والمحروقات ارتفت بنحو 5 أضعاف، وفق دراسة لغرفة تجارة دمشق، لكنها ارتفعت بعد ذلك إلى نحو7 أضعاف، وخسرت القوى العاملة ما يقارب مليوني فرصة عمل، وارتفع معدل البطالة إلى نحو62%، إضافة إلى انضمام نحو 5 ملايين مواطن إلى خانة الفقر، منهم نحو3 ملايين مواطن في حالة أقرب إلى الفقر المدقع).

وتابع المنير في هذا السياق، أنه (أيضاً من ضمن الآثار السلبية للأزمة على القطاع الاجتماعي، تراجع الأجور الحقيقية والدخول لجميع العاملين في الدولة والقطاع الخاص قياساً إلى ارتفاعات الأسعار المستمرة، في حين بلغ متوسط الإنفاق الشهري للعائلة السورية قبل الأزمة- وفقاً لدراسات الهيئة السورية لشؤون الأسرة- 30 ألف ليرة سورية، فقد ارتفع خلال هذه الأزمة بنسبة 500%، أما الأجور التي طرأ عليها زيادة حكومية فلم يتجاوز متوسطها في القطاع العام 20 ألف ليرة سورية، وفي القطاع الخاص 15 ألف ليرة سورية).

إنهاض الاقتصاد السوري

وركز المنيّر على حزمتين من العوامل اللازمة لإنهاض الاقتصاد الوطني، ومنها (العوامل السياسية، من خلال استمرار عمليات المصالحات الوطنية في جميع المناطق، والاستمرار في ضرب المجموعات الإرهابية السوداء، وتجفيف بؤر الدعم والمساندة الداخلية لهذه المجموعات، إضافة إلى عقد الحوار الوطني السوري – السوري بمشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية والدينية، والتوافق على سبل إنهاء الأزمة بالطرق السلمية، ومتابعة السعي لإنجاح الجهود السلمية الدولية لإنهاء الأزمة السورية).

أما العوامل الاقتصادية فتتطلب _حسب المنيّر_ خطة حكومية محكمة ومرنة للخروج من الوضع الاقتصادي الحالي، إضافة إلى أهمية تحديد مشكلات كل قطاع على حدة، والأوليات الضرورية لإنهاضه، ضمن برنامج زمني شبكي يتقاطع مع المشاريع الأساسية والخدمية الضرورية لجميع القطاعات الأخرى، ويجب أن توضع هذه الخطة (الإنقاذية) بالتعاون مع ممثلي الرساميل الوطنية في الداخل وبلاد الاغتراب، وجميع القطاعات المنتجة في القطاعين العام والخاص.

المطلوب برنامج حكومي للإعمار

فيما يتعلق بالإعمار والإشكالات التي تعترض هذه العملية، أشار المنيّر إلى أن (إعمار ما خربته تداعيات الأزمة السورية هي عملية شاقة، وطويلة الأمد، وتتطلب برنامجاً حكومياً يتوافق مع الخطة الحكومية الاقتصادية)، موضحاً أن (هذه العملية تفوق قدرات الدولة، خاصة بعد تناقص إيراداتها العامة، والاستنزاف المقصود للقدرات الاقتصادية والمالية، الذي سعت إليه دول التحالف المعادي لسورية).

المنيّر أوضح أن (بعض السيناريوهات الخارجية المعدّة لإعادة الإعمار تلجأ إلى تضخيم تكاليف هذه العملية، في محاولة لإظهار استحالة تنفيذها بالقدرات الوطنية السورية، لتصل إلى ضرورة الاعتماد على الخارج كالقروض المصرفية وقروض البنك الدولي والمنح المالية المشروطة وغيرها).

صندوق خاص للإعمار

وشدد على ضرورة إحداث صندوق خاص تصب فيه الموارد مبالغ التعويضات من الدول التي وقفت وراء العمليات التخريبية، وذلك بقرار دولي، والأموال التي سيتم استعادتها من الخارج، والتي نهبت وسرقت أساساً من أموال الدولة والشعب، والمنح والمساعدات من الدول الصديقة والداعمة)، متابعاً (ويوضع للصندوق نظام خاص، وإدارة ذات صلاحيات واسعة، تتمتع بالشفافية والكفاءة والالتزام الوطني).

ووضع عدة بنود ضمن الإطار السياسي للتنمية الشاملة، انطلاقاً من (التمسك بالثوابت الوطنية، وحشد الطاقات لاستعادة الأراضي السورية المحتلة، ومقاومة المخططات الإمبريالية، وتعددية سياسية تستند إلى دستور عصري، وتداول سلمي للسلطة، وتنافس سلمي بين الأحزاب الوطنية).

أما لتحقيق اقتصاد تنموي تعددي، فقال المنيّر: (يمكن تحديد مضمون هذا النموذج الاقتصادي التنموي استناداً إلى خطة تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تضعها الدولة، وتقوم بتنفيذها بالمشاركة مع القطاع الخاص المنتج، والرساميل الوطنية، لتنفيذ عدة أهداف).

المشاركة الشعبية الديمقراطية

وأكد أن (المشاركة الشعبية الديمقراطية شرط جوهري لأي توجه تنموي حقيقي، وذلك عن طريق تفعيل العامل الاجتماعي الداخلي وتنشيطه)، مشيراً إلى أن (نظريات التنمية القائمة على رؤية اقتصادية بحتة، فشلت في تحقيق النقلة النوعية في حياة الناس، فالمفاهيم الكمية والمؤشرات الإحصائية لم تأخذ بالحسبان الإنسان المشارك في عملية التنمية).

واختتم عضو جمعية العلوم الاقتصادية بشار المنيّر محاضرته بذكر متطلبات الوصول إلى سياسات اجتماعية هادفة، وهي تتمثل بـ (تنمية المناطق المتخلفة، وخاصة في المناطق الشرقية والشمالية من البلاد، واستعادة الدور الرعائي الداعم للفئات الفقيرة، ووضع خطة شاملة لتجفيف بؤر الفقر، وخلق فرص عمل جديدة في المناطق الفقيرة، إضافة إلى الحد من تفشي البطالة، خاصة بين الشباب، ودعم التعليم المجاني وتطويره، والاهتمام الخاص بتعليم الفتيات في المناطق الأقل نمواً، وتنفيذ الوعود القديمة الجديدة، التي قطعتها الحكومات، بتمكين المرأة السورية، وزيادة مساهمتها في الحياة السياسية والاقتصادية).

لمحات من النقاش

بعد المحاضرة شكر فؤاد اللحام (أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية) المحاضر، وفتح المجال للنقاش والأسئلة. أثنى المشاركون في النقاش على ما ورد في المحاضرة، وعرضوا أفكاراً وتساؤلات، عقّب عليها المُحاضر، مشيراً إلى أن النص الكامل للبحث سيُنشر على موقع الجمعية. 

العدد 1105 - 01/5/2024