زيت الزيتون.. هموم ومنغصات إضافية ترهق الجميع

لا تزال عملية جني محصول الزيتون في محافظة طرطوس تجري بالطرق التقليدية البدائية، فحتى الآن لم تدخل الآلة عملية قطاف الزيتون، لصغر الملكيات، وانتشار الزيتون في المناطق الجبلية والهضابية حيث يتعذر استخدام الآلة. وتأتي عملية القطاف اليدوي والضرب بالعصا في مقدمة هذه الطرق قبل القطاف الآلي. وتقوم طريقة القطاف اليدوي على عملية الجمع اليدوي لثمار الزيتون، وهي من أقدم الطرق المتبعة وأقلها ضرراً على الأشجار المثمرة والثمار، وتؤدي للحصول على مردود مرتفع والزيت الناتج عن هذه الطريقة يتميز بمواصفات فنية عالية.

سلبيات القطاف اليدوي

ومن سلبيات هذه الطريقة الضعف في إنتاجية العامل، وارتفاع أجور الجني.

أما الجني بالعصا وهو ما يعرف بـ ( النبر) فيعتمد على استخدام العصا والضرب بها على الأغصان الحاملة للثمار مباشرة، لفصل الثمار عن الأغصان وسقوطها على الأرض أو على شرائح من النايلون أو الخيش. ومن مساوئ هذه الطريقة ضياع قسم كبير من الثمار، وتجريح الثمار وعدم صلاحيتها للتخليل، وسوء نوعية الزيت، وتكسير النموات الخُضرية التي ستحمل في الموسم القادم، وارتفاع نسبة الإصابة بذبابة الأغصان.

أما القطاف الآلي فهو عبارة عن هزات للجذع وهزات للأغصان وأمشاط آلية، وهذه الطريقة لم تلق النجاح، لأنها تتطلب أن تكون مع ساق واحدة وذات شكل هرمي (هزات الجذع)، بينما معظم الأشجار ذات شكل كروي ومتدلية الأغصان.

 ومن مساوئ هذه الطريقة بقاء قسم من الثمار على الشجرة تتراوح بين 15-20%.

انتشار الأمراض وانتظار الحلول

تعرّضت شجرة الزيتون خلال الأعوام القليلة المنصرمة لعدد من الأمراض، وبدا واضحاً تلكؤ المسؤولين في الزراعة عن متابعة هذه الظاهرة والمسارعة إلى تحديد الطرق الجديّة للحؤول دون انتشار الظواهر المرضية، واكتفوا على ما يبدو بما قدّم لهم من بعض المزارعين عن إصابات طالت حقول الزيتون لديهم. ولكن بالرغم من هذا لم تظهر نتائج جديّة على الأرض لنتائج أخذ هذه العينات تبين الأسباب الحقيقية لهذا التراجع في الإنتاج، والعمل الواجب اتخاذه لمعالجة تلك الحالات، فازدادت الحقول المصابة بالأمراض وتراجع الإنتاج إلى ما دون النصف في العديد من حقول الزيتون. وكما هو معروف فإن هذا النقص كان سبباً في ارتفاع أسعار زيت الزيتون، فقد تراوح ثمن العبوة سعة 20 لتراً مابين 20 – 25 ألف ليرة سورية خلال العام الماضي والعام الحالي. وكلنا نتذكر عمليات شراء زيت الزيتون في فترة معينة العام الماضي من قبل سماسرة وتجار.

ارتفاع تكاليف الإنتاج وهي تتضمن:

1- زيادة أجور العمال في الحقل وفي المعاصر: مع ارتفاع سعر زيت الزيتون والتحاق عدد كبير من الشباب للدفاع عن الوطن، ارتفعت أجور العمال الذين يشكلون العصب الحيوي لإنتاج زيت الزيتون، سواء أكان ذلك في الحقل، فالعامل الذي كان يتقاضى 2000 ليرة سورية العام الماضي وما قبله أجراً يومياً على القيام بعمليات النبر، لم يعد يقبل بهذا بل تضاعف أجره ليصل إلى الضعف أحياناً ( 4500 ليرة)، وكذلك العامل الذي يقوم بجني ثمار الزيتون.. الحال ينطبق أيضاً على العمال في المعاصر، فالذي كان يتقاضى 2000 ليرة بات أجره اليومي 4000 ليرة، وكذلك على أجور عصر ثمار الزيتون، فلم يعد صاحب المعصرة يقبل بما كان يتقاضاه في العامين السابقين.

أحد أصحاب معاصر الزيتون في الشيخ بدر تحدث عن ارتفاع أجور العمال في المعاصر، بسبب عدم وجود عمال، فمعظم الشباب الذين عملوا لدينا في السنوات السابق دُعوا للخدمة الاحتياطية، ومنهم من تطوع في اللجان الشعبية وغيرها.. العامل يبدي دلاله هذه الأيام ويفرض شروطه، فأنا أدفع 4000 ليرة للعامل يومياً. هناك أمر آخر يجب ملاحظته وهو ارتفاع أسعار القطع بشكل جنوني، فأنا استبدلت جلود (المونو) العام قبل الماضي بحوالي 5000 ليرة، بينما استبدلتها هذا العام بنحو 100 ألف ليرة، فتخيل هذا الفرق؟!

2- زيادة سعر المازوت: من المعروف أن بعض التجار لا ينظرون إلى العملية التجارية لديهم من منطلق أخلاقي بحت، فالعقلية التجارية لا تعترف إلا بالربح والتاجر همّه الوحيد ألا يخسر، ومن هنا فإن بعض معاصر الزيتون قد تلقفت زيادة سعر المازوت بما يضمن حصتها الربحية من هذه الزيادة، ولكن للبعض الآخر قصصاً تدمع العين لها، وهذا ما لاحظناه في إحدى معاصر الزيتون في الدريكيش، وقد تحدث لنا صاحب المعصرة بكثير من الأسى على الواقع الذي وصلنا إليه: كنا في الأعوام الماضية نتقاضى 7 % مقابل تحميل الزيتون من الحقل وإيصال الزيت إلى منزل صاحب الأرض و5% في حال أوصل صاحب الأرض محصوله للمعصرة وأخذ الزيت على نفقته. ولكن بسبب زيادة المازوت أصبحنا نتقاضى أكثر من 20% في الحالة الأولى و 15% في الحالة الثانية.

أنا معي موافقة بـ ( 500) لتر مازوت من مدير المنطقة، ولكن للأسف فإن صاحب الكازية يتحكّم بالكمية، فتارة يقوم بتعبئة 100 لتر وتارة 200 لتر، وقبل يومين بقي يماطل في دوري حتى انتهت الكمية لديه حسب زعمه، وأعتقد بأني لو دفعت له زيادة لكنت حصلت على الكمية التي أريدها!

الجهات المعنية مغيبة وغائبة تماماً فلا تموين ولا حماية مستهلك.. قبل أيام دفعت ثمن لتر المازوت أكثر من مئة ليرة.. طالعونا أخيراً بالمازوت الحر للصناعيين ( 290 ليرة لليتر)، وبهذه الحالة سيترتب عليّ أن ادفع ثمن لتر المازوت 350 ليرة كي يصل إلى منشأتي الصناعية، فهل يعقل هذا؟ إذا لم تتنبّه الجهات المعنية لهذا سيصل ثمن العبوة سعة 20 لتراً من الزيت إلى 25 ألف ليرة سورية.

مخلفات عصر الزيتون

وفيما يتعلق بالمواد الناتجة عن عمليات عصر الزيتون فقد أكد عدد ممن التقيناهم أنهم قد سمعوا من بعض المسؤولين في الزراعة بأن هذه المواد تغني عن السماد، كما أوضح السيد مدحت علي من الدريكيش، لكنهم في مديرية الزراعة حتى الآن لم يبادروا إلى تطبيق ذلك على أرض الواقع. أما السيد ملحم ديوب فقد أكد أنه خلال السنة الماضية تسرب قسم كبير من مخلفات عصر الزيتون إلى المياه الجوفية، وظهر ذلك جلياً في (نبع العسيري) بالقرب من قرية كفرية.

زيت زيتون.. ولكن

في ظل الارتفاع الجنوني لسعر زيت الزيتون وعدم قدرة رب الأسرة على شراء الأنواع التي يصل سعرها إلى ما يفوق نصف راتبه، انتشرت في الأسواق أنواع عديدة من زيت الزيتون لم تخضع لأي رقابة تموينية، ويتحكم تجار الأزمة بأسعارها، وهي تتراوح بين 20 ألف ليرة للعبوة سعة 20 لتراً، و22500.

والمضحك المبكي في الأمر أن تجار هذه الأنواع لا يمارسونها في السر بل على عينك يا تموين ويا حماية المستهلك، فهل تنتظر الجهات المعنية حدوث حالات تسمم مثلاً أو أمراض أخرى نتيجة عمليات الغش الكبيرة في مادة تعتبر من أهم المواد الغذائية التي لا يمكن الاستغناء عنها؟!

صيدليات زراعية.. ولكن

تكاد الصيدليات الزراعية المنتشرة في المنطقة تضاهي الصيدليات العامة، بل ويزيد عددها عنها، وكان لدى الكثير ممن التقينا بهم عدم رضا عن هذا الأمر. وتساءلوا عن كيفية منح رخص الصيدليات الزراعية؟ وتحدث البعض عن قيام مزارعين عاديين بترخيص صيدليات زراعية على أسماء مهندسين زراعيين، لكن (الفلاحين) هم من يعملون بها. الصيدليات الزراعية كالصيدليات العامة- يضيف أحد الفلاحين – فهل يحق لي أنا الذي لا أفهم بالفرق بين وجع البطن وعلامات الجلطة أن أمنح الدواء للمرضى.. أحياناً نقوم بالرش لنفاجأ بظهور أمراض جديدة وذبول للأوراق في حالات أخرى! إننا نطالب الدولة بإغلاق الصيدليات التي تم ترخيصها والتي لا يعمل فيها مهندسون زراعيون متخصصون.

أخيراً

 واقع الحال في تردٍّ مستمر، وهو يسير من سيء إلى أسوأ، شئنا أم أبينا… اعترفنا بذلك أم لم نعترف، فهل من التفاتة حقيقية لتشخيص أسباب هذا التردي الذي يعاني منه الفلاح وخصوصاً في طرطوس، وصولاً إلى توصيف الدواء الناجع له؟ وهل من خطّة سريعة وعاجلة لإقامة مشاريع طال انتظارها في هذه المحافظة، وفي مقدمتها معمل للعصائر الطبيعية ومعمل لعصر زيت الزيتون وتغليفه؟!

 المواطن في طرطوس ينتظر ونتمنى ألا يطول انتظاره! 

العدد 1105 - 01/5/2024