الأبراج السكنية.. المولود الذي غيّبه الموت قبل أن يولد!

آن الأوان للقائمين على شجون قطاعنا العقاري المصاب بلعنة التمويل الأبدية، أن يفتحوا ملف (الأبراج السكنية)، هذا المولود الذي غيبه الموت قبل أن يولد، تاركاً وراءه العشرات من إشارات الاستفهام، بعد أن أقرته المرجعيات الحكومية في عام 2005 لاقتناعها بعدم جدوى وصفات التسكين الضبابية.. تفتق آلام قطاعه حوله المضاربون إلى مطمورة ينامون عليها كلما توقف البيع، بانتظار الهبة القادمة، يستوجب الأمرُ التوضيح وتبيان مبررات المنع والسماح الاعتباطي، إزاء الإذعان لسلطة التمدد الأفقي ضد الشاقولي بالعقار، وفي ضوء التناسب العكسي بين النمو السكاني والمعروض السكني، في قطاع استقطب أكثر من نصف التوظيفات الاستثمارية في البلاد.. الحل السحري لإشكالية الإسكان التي تحولت إلى أزمة حاضرة غائبة في حياة السوريين بلا منازع، وكأن قدرهم أن يعيشوا هم وآباؤهم وأبناؤهم، أزمتها العصية على التغيير، يتوسمه دعاة هذا الرأي بعدما غدت الأبنية البرجية توجهاً تطبيقياً عالمياً، فرضته الممارسة المهنية الواعية، وليس (الإسعافية) كما حالنا!

حيال قتامة المشهد العقاري حالياً، وتعطيل مفاعيل هيئتي الاستثمار والتمويل العقاري، وأخواتهما من المطورين العقاريين الذين تحول قسم منهم إلى متاجرين بالأراضي، لم تعد (الأبراج السكنية) أحلاماً لا مكان لها من الواقع، أو مجرد (فشخرة)، كما يدعي البعض، فالأبنية الشاقولية، التي هي حل سريع للحصول على سكن بأقل تكلفة ومدة زمنية، قد تغدو طوق نجاة لقطاع راح ضحية قطار الاقتصاد الموجه لعقود.. لعل ما أنعش الحديث الآن حول منع أسباب منع الأبراج السكنية في سورية، هو تضخم مشكلات قطاعنا العقاري والشلل الذي أصاب الزيادات السنوية – الشحيحة أصلاً في عدد المساكن المحدثة بالقطاعات الثلاثة (العام، الخاص، التعاوني) والتي بألف يا ويل تسد 10بالمئة من الطلب.

اللافت أن الاحتياج الإسكاني في الخطة الخمسية الحادية عشرة يقدّر بـ 880 ألف وحدة سكنية، وعدد طلاب السكن 1,5 مليون شخص سنوياً رغم ولادة عشرات شركات التطوير والاستثمار العقاري ولاحقاً التمويل، واللافت أكثر، أن تقديرات التطوير والاستثمار العقاري تشير إلى أن التمويل العقاري المطلوب لإنشاء مساكن في سورية يتطلب 2400 مليار ليرة، مع العلم أن التمويل العقاري حتى الآن لم يُغطِّ أكثر من 26 بالمئة من حجم الإنفاق على العقارات السكنية.. يضاف إلى كل ما سبق، أن جميع الهيئات المعنية بلملمة جراح هذا القطاع وشجونه معطلة، والسبب كما سياساته غامض، وبرسم إجابة القائمين عليه!

وبالمقابل أسعار المساكن تأبى النزول، فهي في طلوع متواصل، شأنها شأن الوذمات التضخمية التي تلاحق المستوى العام للأسعار يوماً تلو الآخر.

إن حاجتنا إلى وصفة التوسع الشاقولي، كأساليب جديدة للتصميم وللتشييد العمراني، تستحضر تلك الشجون والهموم الآنفة الذكر أسوة بأغلب دول العالم التي عملت على إنشاء أبراج تحمل آلاف الشقق الراقية وبأسعار معقولة، ولاسيما أن الكثير من المواطنين وذوي الدخل المحدود لا يمانع أبداً أن يسكن في بداية حياته في شقة، حتى لو أشبهت (علبة الكبريت) وبقي الحالم بها يسدد ثمنها لعشرين سنة قادمة.

بناء الأبراج لن يعيد الألق لقطاع يخيم شبح الركود عليه منذ عقود، ولن يخرجه إلى النور، من براثن فوضى عقارية بامتياز تشرح فوضى الاقتصاد بأكمله، لكن إن حالف الحظ هذا المنتج المغيب، فقد يعيد تنظيم شجون قطاع أصبح مقيموه شلة من مكاتب الوساطة والسماسرة و(الشقيعة) واضعي رؤاه المستقبلية.

نمط البناء البرجي يعد أفضل الخيارات المطروحة لتأمين أكبر عدد من الوحدات السكنية على أقل مساحة من الأراضي، كحل ناجع لأزمة السكن والحد من انتشار العشوائيات، هذا ما دفع بعدد من العقاريين إلى المطالبة بالإسراع في دراسة هذا التحدي بمنهجية تضع في اعتباراتها الخيارات الحالية والمتاحة والتخطيط للمستقبل، بما يستوعب ازدياد الحاجة السكنية.

وأخيراً وبعيداً عن البروغاندا الإعلامية والمكاسب الوظيفية فإن الوقائع من الناحية الفنية تشير إلى ضرورة توافر بنى تحتية جيدة لبناء الأبراج السكنية عليها، فالمسير الرئيسي لملف السكن لا يجوز أن يصطدم بـ (بارونات العقار) الذين لن يتوانوا لحظة في إحباط أي محاولة للخروج من الأزمة، وإلا كيف تفسر أن تكون شقة، مساحتها 200 متر مربع، تطل على حديقة البطرني، بـ 300 مليون ليرة سورية؟! 

العدد 1105 - 01/5/2024