متى تنتهي معاناة مزارعي شجرة الزيتون ؟!

من المعروف أن شجرة الزيتون تحتل المرتبة الأولى في محافظة طرطوس بين الأشجار المثمرة سواء من حيث عدد الأشجار أو من حيث المساحة المزروعة. وتحتل محافظة طرطوس مرتبة متقدّمة على مستوى القطر بإنتاج الزيتون بعد محافظتي إدلب وحلب كما بيّنت الاحصائيات قبيل اندلاع الاحداث بسورية. ويشكل الزيتون مورد رزق لمئات العائلات الفقيرة في المحافظة، إذ يعتمد نحو 80 % من سكان المحافظة على زراعة هذه الشجرة، فقد قدّرت المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة لهذا العام بحوالي (7506) هكتارات تتوزع عليها حوالي 13 ألف شجرة زيتون.

أمراض شجرة الزيتون

إن أهم مرض يصيب شجرة الزيتون هو مرض تبقّع عين الطاووس، قد بلغت المساحة المصابة في عام 2014، كما توضح مديرية الزراعة بطرطوس بحدود 1694 هكتار. منها ما جرت مكافحته ومنها ما هو في طور المكافحة، وقد اعتمدت مديرية الزراعة بطرطوس برنامجاً للتخلّص من آثار هذا المرض الذي أصاب مساحة كبيرة مزروعة بأشجار الزيتون قدرت بحوالي 5 آلاف هكتار، والعمل جارٍ حالياً للاستفادة من صنفي السكري والعيروني اللذين جرت مراقبتهما منذ عام 2003 حتى عام 2014 قد جرى اعتمادهما صنفين مقاومين للأمراض. وقد أنشأت مديرية الزراعة بطرطوس بساتين أمهات لإنتاج العُقل والاقلام لتزويد الإخوة الفلاحين بها.

وتأتي في الدرجة الثانية ذبابة ثمار الزيتون، ولهذه الحشرة أربعة أجيال، تبدأ الإصابة في النصف الثاني من شهر حزيران على الصنف الدعيبلي بشكل أساسي، فتضع الذبابة يرقاتها وكل يرقة تؤدي إلى فقدان ربع ثمرة الزيتون، ما يؤدي إلى تساقطها على الأرض وإلحاق خسائر كبيرة بالمزارعين الذين يعدون هذه الثمرة أحد مصادر رزقهم، كما أكد العديد ممن التقيناهم سواء في منطقة صافيتا أو الدريكيش أو الشيخ بدر.

صعوبات تعترض المزارعين

تعاني زراعة الزيتون في المحافظة جملة صعوبات تؤدي إلى ضعف إنتاجيتها، وعدم اقتصاديتها وارتفاع تكلفة الإنتاج، وأهم الصعوبات: تفتّت الحيازات الزراعية وتوزعها الأمر الذي يؤدي إلى الصعوبة في تقديم الخدمات الزراعية، ‏ ومن الصعوبات أيضاً مناخ المحافظة الربيعي والخريفي الدافئ والرطب ما يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض التي ذكرناها سابقاً ( كفطر تبقع عين الطاووس وغيره).

وبعيداً عن هذا فإن أصحاب معاصر استخراج زيت الزيتون يتخوفون هذا العام من أن تزداد معاناتهم عن الأعوام السابقة، من ذلك أجور النقل، والانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي، وصعوبة تأمين الكميات الكافية من المازوت لتشغيل المحركات. وحول هذا كلّه كان لجريدة (النور) جولة على معاصر الزيتون للوقوف على واقع الحال في معاصرهم، قد تحدث إلينا في البداية السيد سلمان حسين وهو يستعد لعصر محصول الزيتون قائلاً:

نتمنى أن تأخذ الروابط والجمعيات الفلاحية دورها في جميع الاتجاهات الزراعية سواء منها المحاصيل الزراعية وطرق تحسين الواقع الزراعي من جهة، ومن جهة أخرى تسويق المنتج الزراعي وتصنيفه وخاصة المحاصيل الاستراتيجية وأهمّها الزيتون في المنطقة الساحلية، إذ يعاني من يزرع هذه الشجرة من عدة مشكلات على رأسها عدم وجود معمل لتعليب زيت الزيتون وتصديره، بما يتناسب وجهد الفلاح. وأود أن أنبّه إلى ضرورة وجود قطاع عام ومعاصر تابعة للدولة عن طريق الجمعيات والروابط الفلاحية بما يضمن حصول الفلاح على كامل حقه، وعدم استغلاله.

مشكلة المازوت

محمد عيسى (صاحب معصرة) تحدث عن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وعدم تأمين مادة المازوت بالشكل الكافي فقال: اسمح لي أن أسأل المعنيين عن كميات الزيتون التي يمكن أن نقوم بعصرها عند إعطائنا كمية 200 لتر مازوت؟ بهذه الحالة أنا مضطر للجوء إلى مصادر أخرى تستغل حاجتي إلى المادة وتبيعني اللتر بحوالي 300 ليرة سورية.. موسم عملنا لا يتجاوز الشهرين فهل يعجزون عن تزويدنا بما نحتاج من المازوت للقيام بهذا العمل. واسمح لي أن أسأل المعنيين في المحافظة أيضاً عن دور كازية الفلاحين في تأمين الدعم للفلاح بمادة المازوت؟ فنحن لم نستلم على مدى سنوات أي لتر مازوت من كازية الفلاحين، وهذه الكازية هي بالاسم فقط للفلاح، في حين لا يعلم إلا الله والمستفيد من المازوت فيها عن الكميات الداخلة إليها والخارجة منها وفي أي اتجاه. وإضافة إلى مشكلة المازوت لدينا هذا العام مشكلة في تصريف مادة العرجون الناتجة عن عمليات العصر بعد إغلاق معمل الحميدية وعدم وجود طرق آمنة إلى إدلب أو حلب.

السيد محمد يوسف (مستثمر) تحدث عن مشكلة المازوت أيضاً وعن أجور العصر في المعاصر التي تعتمد على القامات ( العجول) قائلاً: إضافة إلى معاناتنا في تأمين المازوت إذ نضطر إلى شراء المادة من مصادر خاصة بحوالي 300 ليرة للّتر الواحد، هناك مشكلة لدينا في أجور العصر، فهذه المعاصر تحتاج إلى عدد عمال أكثر من المعاصر الحديثة، وبالتالي نضطر لدفع اجور للعمال أكثر، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار هذه الحالة، ومن هنا نتمنى تحديد سعر يتناسب وعدد العمال في هذه المنشآت. وبالنسبة لمياه الجفت نتمنى على مديرية الزراعة أو الروابط الفلاحية تأمين صهريج يقوم بشفط هذه المياه من البرك الموجودة في المعاصر وتوزيعها بحيث لا تتأثر بها المياه الجوفية أو السماح بتصريفها عبر الصرف الصحي.

في اتصالنا مع السيد تيسير بلال مدير الزراعة بطرطوس قال بأنه من غير الممكن تأمين صهريج لشفط مياه الجفت. وأضاف: لقد خاطبنا الجهات المعنية من أجل ذلك وكان الجواب بأنه على صاحب المعصرة تأمين صهريج يقوم بهذا العمل. أما بالنسبة للأجور فقد أكد مدير الزراعة أنه يوجد لجنة لتحديد الأسعار وهي التي تقوم بتحديدها.

رأي الرابطة الفلاحية

قصدنا السيد عزت إبراهيم، أمين الرابطة الفلاحية في الدريكيش للسؤال عن كميات المازوت الواردة إليه من كازية الفلاحين، فأكد أن الكميات الواردة إليه غير كافية أبداً في ظل تأمين المادة للآلات الزراعية من جرارات وعزّاقات ومولدات ري للسقاية ومداجن:

نحن نقوم بتجميع الثبوتيات الواردة إلينا من الإخوة الفلاحين وإرسال كميات المازوت المطلوبة لها إلى كازية الفلاحين، ولكنهم لا يزودوننا بالكميات المطلوبة. هناك حوالي 1300 سيارة تقوم بتعبئة المازوت من الكازية مباشرة، إضافة إلى الموافقات التي تستنزف كميات كبيرة من المازوت في الكازية المذكورة. أما عن عدد أشجار الزيتون في الدريكيش فتقدّر بحوالي 3224 شجرة (سقي)، و2232956 شجرة (بعل) المثمر من هذه الأشجار هو 2086 (سقي)، و2077599 (بعل)، وتقدّر كميات الإنتاج لهذا العام بحوالي 21300 طن من الزيتون.

رأي مسؤول المحروقات في المحافظة

وللوقوف على حقيقة الأمر في كازية الفلاحين اتصلنا مع أحد المعنيين بالكازية، فأكد لنا أن كازية الفلاحين تحصل أسبوعياً على مخصصاتها من المازوت وهي كميات جيدة إذا تم توزيعها بالشكل الصحيح. وأنه بالمقارنة بين هذا العام والعام الماضي فإن الواقع هذا العام أفضل بالنسبة للوقود على مستوى المحافظة، مشيراً إلى إحداث موقع باسم محروقات طرطوس لتلقي الشكاوى ومعالجتها بشكل فوري. أمّا عن الواقع في كازية الفلاحين فأكد أنه تم تشكيل لجنتين بقرار من السيد محافظ طرطوس بعد ورود عدة شكاوى على الواقع في الكازية بقصد جرد الكميات الواردة إلى كازية الفلاحين وكيفية التصرّف بها، مؤكداً عدم صحة الرقم (1300) سيارة التي تقوم بتعبئة المازوت بشكل مباشر من الكازية مضيفاً إن الموافقات الاستثنائية شبه معدومة من السيد المحافظ، فمن أين تأتيهم الموافقات للتصرّف بالمادة؟! وللحد من ظاهرة استجرار المازوت لهذه الآلات الزراعية من الكازية فقد اقتُرح تخصيص ثلاث محطات في منطقتين مختلفتين من المحافظة رديفة لكازية الفلاحين ستؤدي إلى تخفيض عدد الاليات التي تستجر المادة من المحطة الأولى وسيتم تخصيص 300 سيارة لكل محطة بشكل تقريبي. وتمنى في النهاية أن تتعاون كل الجهات المعنية لضبط واقع المحروقات في المحافظة.

أخيراً

المعاناة مستمرة لمزارعي الزيتون في الساحل، وفي كل عام تتراكم هذه المعاناة في ظل الكلام الكثير حول عمليات تلاعب في كازية الفلاحين وابتزاز من قبل بعض أصحاب الكازيات العامة، وعدم دقة في المكاييل، فهل سيستيقظ الفلاح ذات يوم ويجد كل هذه المشكلات قد حلّت؟!

هذا ما نتمناه ونطالب به، فهل ستجد مطالبنا واستغاثات الإخوة المزارعين الأذن المصغية والحريصة على كل قطرة عرق لهؤلاء الإخوة الفلاحين؟!

العدد 1107 - 22/5/2024