من سوتشي… أُعلِن النصر!

يمكننا بحقٍّ تسمية الأسبوع الماضي بالأسبوع السوري-الروسي للانتصارات العسكرية والدبلوماسية؛ فعلى وقع الانتصار الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه على داعش، بتحرير مدينة البوكمال، شهدت مدينة سوتشي نشاطاً دبلوماسياً كثيفاً، دارت جميع نقاشاته حول الأزمة السورية.

تبدو موسكو، من جديد، كالقابض على جميع مفاتيح الحلول في منطقة الشرق الأوسط، ذات الملفات المتداخلة والمعقدة؛ فلم تنقضِ سوى بضع ساعات على الإعلان عن اللقاء الذي جمع الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد في سوتشي، حتى توالت الاتصالات الهاتفية مع الرئيس فلاديمير بوتين من قبل كل من: الرئيس الأمريكي، الملك السعودي، الرئيس المصري، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وجميعهم قد أُعلِموا بنتائج المباحثات التي جرت بين الرئيسين، وفقاً لما أعلنه موقع الكرملين.

إضافة إلى ما سبق، تلت لقاء الأسد-بوتين قمة ثلاثية، جمعت الرئيس الروسي مع الرئيسين الإيراني والتركي، وكانت مباحثات هذه القمة مخصصة، بالكامل، للشأن السوري.

بدا الرئيس التركي، في هذه القمة، وكأنه يوقع معاهدة الاستسلام، بالرغم من الحفاوة الدبلوماسية العالية التي تجلت في خطابي بوتين وروحاني، فلقد جاء خطاب أردوغان في افتتاح القمة مختصراً إلى أشد الدرجات، مقارنة مع خطابي بوتين وروحاني. وهذا يعكس حالة الخيبة التي مُنِي به الرئيس التركي بعد انكشاف مخططات حلفائه الغربيين، الذين أرادوا اتخاذ تركيا مطية لتمرير هذه المشاريع الخبيثة؛ وتتأكد هذه الحقيقة بعد التصريح الذي أدلى به أردوغان نفسه في تركيا، بعد عودته من سوتشي، إذ لم يستبعد فيه إجراء اتصالات مع القيادة السورية في المستقبل. من هنا ندرك عمق الفهم الروسي للأزمة السورية وما يرتبط بها، فلقد استطاع بوتين بحنكته السياسية تحويل تركيا من خصمٍ سياسي إلى (نصف حليفٍ) بالرغم من المواقف المعادية التي أطلقها أردوغان ضد روسيا، وكان آخرها في أوكرانيا، أوائل الشهر الماضي، عندما أعلن عدم اعترافه بنتائج استفتاء الانفصال في شبه جزيرة القرم.

في مقابل جبهة المنتصرين، هناك جبهةٌ أخرى للمنهزمين، الذين حاولوا لملمة أشلائهم المتبعثرة، سياسياً وعسكرياً. فلقد أكدت وزارة الدفاع الروسية، وكذلك الأمين العام لحزب الله، أن الولايات المتحدة حاولت بجميع الوسائل تأمين خروج إرهابيي داعش من مدينة البوكمال، في المنطقة الواقعة شرقي نهر الفرات. إذ لا تخجل الولايات المتحدة الأمريكية من رعاية الإرهاب، وتفعل هذا دون حياءٍ أمام أعين (العالم الحر)، وهي التي دمّرت دولاً تحت شعار محاربة الإرهاب، وشكلت تحالفها المزعوم للقضاء على داعش في سورية والعراق، ليتبين من جديد أن الوظيفة الحقيقية لهذا التحالف هي حماية الإرهابيين وإمدادهم بأسباب البقاء.

في الواقع، يتبادل اللصوص الأدوار باستمرار، في كل مرحلة من مراحل إجرامهم المستمر، فالولايات المتحدة لا تعمل وحدها في هذه المنطقة، بل يشترك معها مجموعة من العبيد الأقزام، المخلصون لها، المستعدون لحياكة وتنفيذ جميع مؤامراتها والرضوخ أمام كل رغباتها.

فلقد جمعت السعودية معارضي ما يسمى (منصة الرياض)، وأصدروا بياناً سخيفاً هزيلاً، يعلمون جيداً استحالة التعامل معه في أي حوار مستقبلي، ولقد أبدت منصة موسكو اعتراضها على بعض فقرات هذا البيان.

تجدر الإشارة، إلى أن منصة الرياض تتألف من مجموعة من الشخصيات السورية المقيمة في الخارج، في أوربا وأمريكا، وهذه الشخصيات لا تمثل سوى نفسها، ولا يوجد لها أي قواعد شعبية كبيرة في الداخل السوري، وبالتالي فالخبير في السياسة يدرك جيداً أن مهمة هذه المنصة هي تعطيل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها روسيا عبر مسار أستانا، وبالتالي تعطيل الحل السياسي وإطالة عمر الأزمة، بهدف تحقيق المزيد من الاستنزاف للجيش السوري والقوات الحليفة.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن الرياض جمعت وزراء الخارجية العرب، بتاريخ 19 تشرين الثاني 2017، وأصدروا بياناً مشيناً، وصموا به المقاومة اللبنانية البطلة بالإرهاب، وهذه إشارة واضحة إلى الدور الخبيث الذي تلعبه الرياض في التآمر على دول المنطقة، وخاصة أن حزب الله يمثل جزءاً أساسياً من تحالف الشرفاء، الذين هزموا داعش في لبنان وسورية والعراق.

ختاماً، في دراسة الأزمة السورية، بالرغم من الأهمية الكبيرة للانتصار العسكري على الإرهاب، يتمثل الانتصار الأكبر بالدبلوماسية الحكيمة التي قادتها روسيا، والتي أدت إلى انكشاف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية. فبعد القرائن والحجج الآنفة الذكر، يبدو واضحاً، لكل ذي بصرٍ أو بصيرة، من يدعم الإرهاب ومن يحارب الإرهاب! ومن هنا نفهم الرفض الدائم، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لعقد مؤتمر دولي لتحديد معنى الإرهاب، لأنها، بدعمها للكيان الصهيوني واستثمارها للتنظيمات الإرهابية، تمثل الراعي الأول للإرهاب في العالم.

العدد 1104 - 24/4/2024