تأثير الرسوم المتحركة في الأطفال (2)

العنف هو الرسالة الأكثر شيوعاً وانتشاراً في وسائل الإعلام المرئي، إذ نجد 80% من برامج التلفزيون تحتوي ما لا يقل عن مشهد عنف واحد، وتأتي الرسوم المتحركة في مقدمتها.

 تعتبر مسلسلات الأطفال الأكثر عنفاً لما تحتويه من مشاهد عنيفة، فقد صنفتها منظمة أمريكية مختصة برصد برامج العنف على التلفزيون بأنها تحمل درجة عالية من العنف، فالساعة التلفزيونية من الرسوم المتحركة تحتوي ما لا يقل عن عشرة مشاهد عنف، وهي تحمل بين طياتها نوعي العنف الجسدي واللفظي. ويتلخص العنف الجسدي بالضرب المبرح ومحاولات القتل الشنيعة و الركلات العنيفة..الخ وهذا يمكننا التماسه في معظم برامج الرسوم المتحركة اليوم، ويمكننا القول بأن كل أشكال العنف الجسدي تأخذ شكل القوة البدنية سواء عن طريق أعضاء الجسم أو باستخدام الأسلحة، وكثيراً ما نرى أطفال اليوم يتشبهون بسوبرمان، ولديهم هوس بالأسلحة و الألعاب النارية وغيرها.

أما بالنسبة للعنف اللفظي فهو يتمثل بالشتائم والتهديدات اللفظية وغيرها (مثال: سأقتلك أيها هل الأحمق، سأنتقم منك) إضافة إلى كثرة أفعال الأمر، مثل (فجّر اللغم، اقتله، أطلق النار عليه، اسجنه، عذبه..الخ) هذه الألفاظ لها تأثير كبير جداً في تنمية الأمراض النفسية السادية والسكيوباتية لدى الطفل.

وهناك نوع أخر للعنف يسمى بالعنف السعيد، ويظهر فيه الأبطال القادرون على البقاء بالتماثل مع شخصية البطل الحقيقي، وللتوضيح أكثر مثل مشهد يصور مجموعة أفراد من الشرطة أكثر عنفاً من المجرمين أنفسهم.

 تأثير الشخصيات الكرتونية في سلوكات الأطفال

 أكدت دراسات مختصي علم النفس والسلوك أن تأثير مسلسلات الأطفال وشخصياتها على الأطفال يكون تراكمياً، ولا تظهر تأثيراته بشكل فوري بمتابعة الطفل لهده المسلسلات لعدة شهور، بل يأتي من خلال متابعته لفترات طويلة، وهذه التراكمات تؤدي مستقبلاً إلى نتائج خطيرة، خاصة تلك التي تعرض كماً كبيراً من العنف والخيال والسحر، وتنسف المبادئ الإنسانية بأسلوب غير مباشر كما في مسلسل (أطفال الديجتال) و(البوكيمون) وغيرها مما يشاهده أطفالنا اليوم.

وهنا نتساءل: كيف ستكون هذه النتائج عندما تعلّم هذه المسلسلات الأطفال أساليب الانتقام وكيفية السرقة وكل ما يفتح لهم آفاق الجريمة؟

فهذه الرسوم المتحركة الموجهة اليوم للأطفال تشكل خطراً حقيقياً لما تحتويه من سموم قاتلة. ويكمن الخطر فيما تحتويه من أشياء بعيدة عن مجتمعاتنا وبيئتنا. ومنها مصنع ومخصص ليصدر لبلداننا بشكل مقصود، فإذا عدنا للبلدان المصنعة لها لوجدنا بأنهم لا يعرضون هذا النوع من الرسوم المتحركة أبداً لما تشكله من خطر على المجتمع وبناء الجيل، مثال على ذلك اليابان، فهي تعتبر من البلدان المصنعة لهذه الرسوم المتحركة، لكنهم لا يعرضونها على شاشاتهم ولأطفالهم، بل يصنعونها ليصدروها لنا، فهي بالنسبة لهم تجارة مربحة و مهدمة للمجتمعات الأخرى، وهو نوع من السياسة التي لن ندخل في تفاصيلها.

 من جهة أخرى يمكن أن تقدم هذه المسلسلات القيم والأخلاق الحميدة للطفل، ولكنها تجعله يتلقى هذه القيم والأخلاق من خلال بيئة جديدة بعيدة كل البعد عن بيئته وثقافته ، فيحاول أن يتعامل معها ببراءته المعهودة، فتنمو لديه دوافع نفسية متناقضة، بين ما يتلقاه، وما يعيشه داخل الأسرة والبيئة والمجتمع.

إن أفلام الكرتون الحالية، والحديثة بالذات، تؤثر بشكل كبير جداً على لغة الطفل، ذلك أن عملية التعريب لها تكون ركيكة جداً وضعيفة ومحشوة بالعديد من الألفاظ العامية، مما يؤثر على النطق عند الأطفال وتمازج لهجتهم بكلمات أخرى بعيدة عن مجتمعهم وثقافتهم.

تؤثر الشخصيات الكرتونية تأثيرا قوياً في سلوك الطفل اليومي، ويبدأ التغيير في كلام الطفل من خلال استخداماته للألفاظ والأساليب التي يسمعها. كما أن الطفل حين يتعلق ببطل معين فإنه يرغب في أن تكون جميع مقتنياته وأدواته مرسوم عليها شخصيته المحببة، وهكذا نلاحظ انه بدلاً من أن نعلّم الطفل الانضباط في سلوكه نراه يتوجه للمدرسة وهو محاط بالشخصية التي تعلق بها. ومن خلال ملاحظة بسيطة نرى أن أغلب ما يعرض على الأطفال هي مسلسلات تعتمد على الخيال البحت، وهكذا يعيش الطفل وسط صراع بين الواقع والخيال، بل وينمو بداخله الخيال المريض نظراً لما يراه أمام عينيه من حروب وقتل. حيث ونلاحظ أن معاملات الطفل اليومية قد تميل إلى العنف، ويظهر ذلك في تصرفاته مع أقرب المقربين إليه في البيت.

 الآثار السلبية للشخصيات الكرتونية

نمو الخوف في نفس الطفل حتى يصل إلى مرحلة الانطوائية فيخشى المصاعب ويهرب من مواجهتها.

إيهام الطفل بأن العنف جزء طبيعي من حياتنا اليومية.

تعمل على محو الطيبة والعواطف في شخصيات أطفالنا وتجعلهم قساة القلوب وعدائيين وانفعاليين قليلي الصبر، وتصبح نظرة الطفل أن أي شيء يجب الحصول عليه باستخدام القوة والعنف، وهذه مشكلة يعاني منها الكثير من الأهالي اليوم.

تبرير أعمال العنف: بما أن معظم العنف التلفزيوني الذي يشاهده الطفل عبر الشخصيات الكرتونية يرتكبه (البطل) أو (الرجل الصالح)، فهو دائماً مبرّر ومسموح به، وقد يذهب النص إلى أبعد من ذلك بحيث يعدّ العنف عملاً بطولياً يستحق التقدير.

تعمل الرسوم المتحركة على جعل الطفل ينسلخ عن مجتمعه وبيئته من خلال تكريسها لثقافة وحياة غريبة في التصرفات وطريقة الحياة البعيدة عن الواقع، فالشخصيات التي يقتدي بها الطفل دائماً تكون حياتها مختلفة وغريبة. 

العدد 1107 - 22/5/2024