الرئيس الأسد لصحيفة «بوليتيكا» الصربية: واشنطن والدول الغربية الحليفة لها تتحمل مسؤولية إخفاق وقف إطلاق النار الأخير

 أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الحليفة لها تتحمل المسؤولية عن إخفاق وقف إطلاق النار الأخير لأن الإرهاب والإرهابيين بالنسبة لهم مجرد ورقة يريدون أن يلعبوها على الساحة السورية. وأوضح الرئيس الأسد في مقابلة مع صحيفة بوليتكا الصربية أن روسيا جادة جداً ومصممة على الاستمرار في محاربة الإرهابيين في حين أن الأمريكيين يبنون سياستهم على قيم مختلفة تماماً، فهم يستخدمونهم كورقة يلعبونها في لعبة سياسية لخدمة مصالحهم الخاصة على حساب مصالح الدول الأخرى في العالم.

وفيما يلي فقرات من إجابات السيد الرئيس في المقابلة:

في الواقع، إن الغرب وبشكل أساسي الولايات المتحدة مارست الضغط من أجل وقف إطلاق النار، وهم يفعلون ذلك دائماً فقط عندما يكون الإرهابيون في وضع سيئ، وليس من أجل المدنيين.. وهم يحاولون استغلال حالات وقف إطلاق النار لتقديم الدعم للإرهابيين إن كان لوجستيا أو بالسلاح.. والأموال.. وكل شيء من أجل أن يعاودوا الهجوم وأن يعودوا أقوياء من جديد.. وعندما لم ينجح ذلك طلبوا من الإرهابيين إفشال وقف إطلاق النار وذلك عبر الشروع في الهجوم مرة أخرى وبالتالي.. من المسؤول؟ إنها الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة لها.. لأنه بالنسبة لهم الإرهاب والإرهابيون مجرد ورقة يريدون أن يلعبوها على الساحة السورية.. إنهم لا يطلبون وقف إطلاق النار من أجل القيم.. هم ليسوا أصلاً ضد الإرهابيين.. بالنسبة لهم.. فإن دعم الإرهابيين يشكل حرب استنزاف ضد سورية.. وإيران وروسيا.. هكذا ينظرون إلى الأمر.. وبالتالي فإن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية ليس فقط فشل وقف إطلاق النار الأخير.. بل كل محاولة سابقة لوقف إطلاق النار وكل تحرك سياسي أو مبادرة سياسية.

الإرهابيون أتوا من تركيا وبدعم مباشر من حكومتها

لنقل إنهم يمنحونهم الموافقة والضوء الأخضر هذا أولاً.. ثانياً.. ما يسمى التحالف الأمريكي.. الذي يسمونه تحالفا دولياً.. في حين إنه في الواقع أمريكي.. كان بوسعه رؤية (داعش) يستخدم ابار نفطنا ويحمل النفط في الصهاريج من سورية إلى تركيا تحت مراقبة طائراته التي تعمل دون طيار. يتم ذلك بالشراكة بين (داعش) وتركيا.. يذهب جزء من هذا المال إلى (داعش).. وهو الذي يمكنهم من استقدام الإرهابيين ودفع رواتبهم.. ولهذا السبب كان (داعش) ينمو قبل التدخل الروسي.. كان يتوسع في سورية وفي العراق.. وكان جزء من المال يذهب إلى مسؤولي الحكومة التركية.. وبشكل أساسي إلى أردوغان نفسه وعائلته.

الروس يبنون سياستهم على القيم.. إضافة إلى المصالح.. وتتمثل هذه القيم في أنهم يتبنون القانون الدولي.. ويحاربون الإرهاب.. أما المصالح فهي أنه إذا انتشر الإرهاب في منطقتنا.. فإن ذلك سيؤثر ليس على منطقتنا وحسب.. بل على أوربا وروسيا وسائر أنحاء العالم.. الروس جادون جداً ومصممون على الاستمرار في محاربة الإرهابيين.. في حين أن الأمريكيين يبنون سياستهم على قيم مختلفة تماماً تتمثل بأن بوسعهم استخدام الإرهابيين.. أعني أن الأمريكيين أرادوا استخدام الإرهابيين كورقة يلعبونها في لعبة سياسية لخدمة مصالحهم الخاصة على حساب مصالح الدول الأخرى في العالم.

أراد الأمريكيون إضعاف الجيش السوري.. فقاموا بمهاجمته في دير الزور.. لم تكن تلك مصادفة.. لأن الغارة استمرت أكثر من ساعة ونفذت الطائرات عدة اعتداءات. إضافة إلى ذلك.. هم هاجموا منطقة واسعة جداً.. لم يهاجموا مبنى واحداً لنقول إنهم فعلوا ذلك عن طريق الخطأ.. هاجموا ثلاثة تلال كبيرة.. ولم تكن هناك مجموعات أخرى في جوار تلك التلال.. وحده تنظيم (داعش) كان موجودا في دير الزور.. لم يكن هناك ما يسمونه (المعارضة المعتدلة)، وبالتالي.. فقد كان ذلك هجوماً متعمداً يهدف إلى السماح لـ (داعش) بالاستيلاء على ذلك الموقع.. وقد قام (داعش) بمهاجمة تلك التلال والاستيلاء عليها مباشرة.. خلال أقل من ساعة بعد ذلك الهجوم.

وهذا يعني أن (داعش) كان قد جمع قواته لمهاجمة تلك المنطقة.. كيف عرف (داعش) أن الأمريكيين سيهاجمون ذلك الموقع السوري؟ هذا يعني أنهم كانوا مستعدين وجاهزين للهجوم.. هذا دليل واضح وصارخ على أن الأمريكيين يدعمون (داعش) ويستخدمونه كورقة لتغيير ميزان القوى طبقاً لأجندتهم السياسية.

 أقول دائماً إن أقل من عام مدة كافية لحل المشاكل الداخلية.. لأنها ليست معقدة جداً من الداخل.. تصبح المشكلة أكثر تعقيداً فقط عندما يحدث المزيد من التدخل من قبل القوى الأجنبية.. عندما تترك تلك القوى الأجنبية سورية وشأنها.. يمكننا حل المشكلة كسوريين خلال بضعة أشهر.. خلال أقل من سنة.. ذلك أمر بسيط جداً.. ونستطيع فعله.. لكن شريطة عدم وجود تدخل خارجي.. هذا لا يبدو واقعياً.. بالطبع.. لأن الجميع يعرفون أن الولايات المتحدة أرادت تقويض موقع روسيا كقوة عظمى في العالم.. بما في ذلك في سورية.. والسعودية كانت تبحث عن طريقة لتدمير إيران منذ سنوات.. وقد تكون سورية أحد تلك الأماكن التي يمكن تحقيق ذلك فيها.. طبقاً لطريقتهم في التفكير.. لكن.. إذا قلنا إن بوسعنا الوصول إلى ذلك الوضع.. بحيث تترك كل تلك القوى الأجنبية سورية وشأنها فلن يكون من الصعب حل مشكلتنا.. أما كيف.. فأولاً وقبل كل شيء.. بوقف الدعم الذي تقدمه الدول الخارجية للإرهابيين.. دول إقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر والغرب بالطبع.. وخصوصاً الولايات المتحدة.. عندما يتوقف دعم الإرهابيين في سورية لن يكون من الصعب حل مشكلتنا.

لا أعرف الكثير عن النموذج السويدي.. لكن لنقل إن لدينا في سورية اقتصاداً منفتحاً.. وفي الوقت نفسه لدينا قطاع عام قوي.. وهذا القطاع العام لعب دوراً مهماً جداً في صمود المجتمع السوري والحكومة السورية خلال الحرب.. من دون القطاع العام.. كان يمكن للوضع أن يكون أصعب بكثير.. وبالتالي.. نحن ما زلنا اشتراكيين.. وأعتقد أن الحرب أثبتت أن الاشتراكية والنظام الاشتراكي مهمان جداً لأي بلد.. آخذين في الاعتبار أنني أتحدث عن الاشتراكية المنفتحة التي يمكن أن تسمح بتحرر القطاع العام كي يلعب دوراً محورياً في بناء البلاد… وكما تعرف فإن القطاع الخاص يمكن أن يستشعر الخطر بشكل أكبر ويمكن أن يعاني أكثر.. وفي بعض المناطق يمكن أن يترك الساحة الاقتصادية بأكملها بسبب انعدام الأمن.. ولهذا السبب عليك أن تعتمد في مثل هذا الوضع على القطاع العام بشكل أكبر.. لكن لا يزال القطاع الخاص في سورية يلعب دوراً مهماً جداً إلى جانب القطاع العام.

في الواقع.. فإن هذا ليس تسامحاً.. هؤلاء جزء من هذا المجتمع.. ودون الألوان المختلفة في المجتمع والمتمثلة بالمسيحيين.. والمسلمين.. والطوائف والإثنيات المختلفة.. لن تكون هناك سورية.. وبالتالي ينبغي لكل مواطن سوري أن يشعر بأنه حر تماماً في أن يمارس شعائره وتقاليده ومعتقداته.. ينبغي أن يكون حراً كي يكون هناك بلد مستقر.. وإلا فلن تكون سورية بلداً مستقراً.. لكن لن أسمي هذه الحالة تسامحاً.. لأن التسامح يعني القبول بشيء يتعارض مع إرادتك.. أما هنا فإن المسلمين والمسيحيين عاشوا معا في سورية على مدى قرون وهم مندمجون في حياتهم اليومية ولا يعيشون في أحياء منعزلة عن بعضها البعض (غيتوهات).

هناك بعض المدارس التابعة للكنيسة.. لكنها مليئة بالمسلمين.. والعكس صحيح.. وبالتالي.. ليس هناك مثل هذا الفصل.. إننا لا نسمح بأي نوع من الفصل بين الأديان والإثنيات في سورية.. لأن ذلك سيكون خطيراً جداً.. لكن وبشكل طبيعي ودون تدخل الحكومة.. الناس يحبون أن يعيشوا مع بعضهم بعضا في كل مدرسة وفي كل منظمة غير حكومية وفي الحكومة وفي كل مكان.. هذا أمر طبيعي في سورية.. ولهذا السبب فإن سورية علمانية بطبيعتها وليست بحكومتها.. المجتمع السوري علماني على مر التاريخ.

دعنا نتحدث عن الواقع.. قبل التدخل الروسي.. كان (داعش) يتمدد.. كما قلت.. عندما بدؤوا بالتدخل.. بدأت (داعش) و)النصرة) والمجموعات الأخرى المرتبطة بالقاعدة بالانحسار.. هذا هو الواقع.. لماذا لأن روسيا بالطبع قوة عظمى.. ولديها جيش عظيم وقوة نيران عظيمة يمكنها دعم الجيش السوري في حربه.. الجانب الآخر هو أنه عندما تتدخل دولة عظمى.. أو قوة عظمى.. مثل روسيا.. ضد الإرهابيين.. بالتنسيق مع القوات الموجودة على الأرض.. وفي حالتنا فإن هذه القوات هي الجيش السوري.. بالطبع فإنك ستحقق نتائج ملموسة.. بينما إذا تحدثت عن التحالف الأمريكي.. الذي لا يتسم بالجدية في أي حال من الأحوال.. وفي الوقت نفسه لا يمتلك حلفاء على الأرض.. فإنه لا يستطيع تحقيق أي شيء.. لذلك.. فإن القوة الروسية كانت مهمة جداً.. إضافة إلى وزنها السياسي على الساحة الدولية.. وبذلك تمكنت روسيا من تغيير الوضع.. وقد كانت مهمة جداً بالنسبة لسورية في إلحاق الهزيمة بالإرهابيين في مختلف المناطق.

في الواقع.. لقد بات المجتمع أكثر انسجاماً مما كان عليه قبل الحرب.. قد يكون هذا مفاجئاً للعديد من المراقبين.. لأن الحرب شكلت درساً مهماً وعميقاً جداً لكل سوري.. لم يكن بوسع العديد من السوريين قبل الحرب التمييز بين أن يكون المرء متعصباً وأن يكون متطرفاً.. وبين أن يكون متطرفاً وأن يكون إرهابياً.. لم تكن تلك الحدود واضحة للكثيرين.. لكن بسبب الحرب وبسبب الدمار وبسبب الثمن الباهظ الذي أثر على كل السوريين فإن الكثير منهم تعلموا الدرس وباتوا يعرفون الآن أن السبيل الوحيد لحماية البلاد والحفاظ عليها يتمثل في أن يكونوا منسجمين وأن يعيشوا مع بعضهم بعضا وأن يندمجوا.. وأن يقبلوا ويحبوا بعضهم بعضاً.. ولهذا السبب.. أعتقد أنه ورغم كل النواحي السيئة لأي حرب مثل هذه الحرب فإن أثر الحرب من هذا الجانب كان إيجابياً على المجتمع السوري.. لذلك فأنا لست قلقاً على بنية المجتمع السوري بعد الحرب.. أعتقد أن هذه البنية ستكون صحية أكثر.

من تجربتنا مع المسؤولين والسياسيين الأمريكيين بشكل عام.. فإننا لا نثق بكلامهم.. إنهم غير صادقين.. بصرف النظر عما يقولون.. فإننا لا نصدقهم.. سواء قالوا كلاماً جيداً أو سيئاً.. وسواء كانوا عدوانيين جداً أو مسالمين جداً فإننا لا نصدقهم.. الأمر يعتمد على مجموعات الضغط.. وعلى نفوذ التيارات السياسية المختلفة في بلادهم بعد الانتخابات.. هذا ما سيحدد سياستهم عندئذ.. لذلك فنحن لا نضيع وقتنا بالإصغاء إلى كلامهم وخطبهم.. إنه مجرد هراء.. عليك أن تنتظر لترى سياساتهم.. 

العدد 1105 - 01/5/2024