الضجة حول المناهج… هل ستثمر تغييراً حقيقياً؟!

 تبدو وزارة التربية، هذه الأيام، في حالة (استنفار) قصوى، لتدارك ما يمكن تداركه من أخطاء في المنهاج الجديد، وهي تسعى لإطفاء نيران الغضب التي انتابت كثيرين من السوريين، بسبب الأخطاء التي رأى البعض أنها خطيرة، لكنها ما تكاد تطفئ بقعة نار هنا حتى تشتعل النار في بقعة أو أكثر غيرها.

ورغم أن وزير التربية أعلن تشكيل لجنة برئاسة أحد معاونيه، ضمّت مختصين ومعنيين وعضواً في مجلس الشعب، مهمتها أن تجمع وتتلقى الملاحظات على المنهاج الجديد، وأصدر قرارين بحذف قصيدة، واعتماد قصيدة غيرها، وكذلك باعتماد الخريطة الرسمية المعتمدة، بدل خريطة لسورية ينقص منها لواء إسكندرون والجولان، منشورة في كتاب العلوم للصف العاشر، فإن الضجة لم تهدأ بعد أن أثارها ناشطون ومهتمون، على صفحات التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الإعلام، حول ما سمّاه بعضهم (أخطاء قاتلة) أو (جسيمة) واردة في المناهج المدرسية الجديدة التي اعتمدتها وزارة التربية في هذا العام، في إطار خطتها لتطوير المنهاج، الذي كان قد جرى تطويره وتجريبه، ثم اعتماده وطباعته وتعميمه على مدارسها تباعاً، على مدى سنوات ثلاث، بدأت عام 2010.

 وإذ رفع بعض الناشطين سقف توقعاتهم، فإن جلسة مجلس الشعب يوم الأربعاء الماضي لم تكن كما أمل هؤلاء، واللافت أنها لم تُنقَل مباشرة على الهواء، حسبما كان محبّو (الأكشن) يأملون، فقد اكتفى الإعلام الرسمي بنشر مداخلة الوزير، وبعض إجاباته على ما طرحه السادة الأعضاء، دون أن يكلف هذا الإعلام نفسه عناء إعلام الشعب بأجواء الجلسة، ولا بما طرحه ممثلوه في مجلسهم، بخصوص قضية تهم المواطنين جميعاً، لأنها تتعلق بحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا، رغم أن بعض الأعضاء كان قد رفع صوته ومطالباته، قبل الجلسة بأيام، ووعد بالحد الأقصى.

 كلمة الوزير في مجلس الشعب وردوده غلب عليها طابع التبرير لأن التجربة – حسبما قال- جديدة، وأقر بأخطاء (الخريطة الناقصة، وقصيدة) جرى تصحيحها مباشرةً بقرارات وزارية عُمّمت، رامياً بالمسؤولية عن هذه (الهمروجة) على قناة (العربية) وصحيفة (الشرق الأوسط)، وفي ذلك تقزيم مسبق للآراء والملاحظات، وتخويف من احتمالات وعواقب لمن يطرح ما قد لا يروق للبعض. 

لن نستعرض هنا ما أثاره الناشطون والمهتمون، وإن كنا نتفق مع بعضه، ولا نتفق مع بعضه الآخر، لكنه في كل الحالات يعبّر عن حيوية في مجتمعنا وشعبنا، رغم استمرار الأزمة الكارثية التي نعانيها منذ نحو سبع سنوات، ويعبّر كذلك عن رغبة صادقة في أن تكون مناهجنا بالمستوى الأرقى الذي يليق بشعبنا وتضحياته وبتاريخنا الحضاري، والذي سيؤسس، إلى حد كبير، لمستقبلنا ومستقبل بلادنا وشعبنا.

 وسنكتفي بطرح أفكار وتساؤلات، ننتظر أن تجد صداها لدى اللجنة، ولدى المخططين التربويين:

إن قضية بهذا الحجم والأهمية تقتضي أن تعلن وزارة التربية، بوضوح، وأن تبدأ حملة في سائر وسائل الإعلام، تبيّن فيها مبررات هذا التطوير، (ومن حيث المبدأ لسنا ضد التطوير)، والأسس التي قام عليها، والطرائق والأساليب للوصول إلى الغايات المطلوبة، ولا يكفي أن تقول إن وثيقة المعايير موجودة على موقع المركز الوطني لتطوير المناهج.

إن هذه القضية تقتضي الحد الأقصى من العلنية وفتح حوارات وورشات عمل تتيح إشراك أوسع الفئات والقوى السياسية والمجتمعية، ولا يكفي أن يتحاور المختصون فيما بينهم، أو مع جهات كاليونسكو أو غيرها.

وجدير بالانتباه أن التعديل الجوهري البارز في المنهاج السابق الذي بدأت الوزارة تطويره هو في طرائق التدريس، التي جعلت المتعلم محور العملية التعليمية التعلّمية، وجعلت دور المعلّم ميسّراً للتعلّم، لا ناقلاَ للمعلومات، وهذا على الأرجح ما أخفقت الوزارة في الوصول إليه، أولاً لأن صعوبات قصوى واجهت وتواجه الكادر الإداري والتعليمي في الانتقال إلى الطرائق الجديدة، ولم تكن الدورات التي نُظمت على عجل (ليومين أو ثلاثة فقط) آنذاك، لم تكن كافية. كما أن البنية التحتية (المدارس- قاعات الصفوف- المخابر- …)- وهذا ثانياً – لم تكن مؤمّنة بما يلبي متطلبات ذلك المنهاج، إضافة إلى الازدحام في غرفة الصف، والدوام النصفي، وغير ذلك كثير. فهل ستتدارك الوزارة ذلك كله؟ وهل وضعت خطة لذلك؟ وكم ستستغرق؟

وثالثاً، انفجرت الأزمة في ،2011 فأطاحت بكثير من المدارس ومن المدرسين والطلاب، وهجّر كثيرون، داخل البلاد وخارجها، وحُرم مئات الألوف، وربما ملايين، من أطفال سورية من دخول المدرسة أو متابعة الدراسة.

 إن من حق السوريين أن يعرفوا وأن يناقشوا وأن يساهموا في تحديد الأسس التي يقوم عليها هذا المنهاج، ولا يجوز أن يبقى عمل الوزارة في الظل، كما لو أن في الأمر سراً عسكرياً.

ونسأل هنا: لماذا لم تضع الوزارة حتى اليوم معايير للبناء المدرسي، وللغرفة الصفية؟ ولماذا لم تحدد معايير لاختيار المعلم والمدرس، بدءاً من معايير القبول في معاهد المعلمين؟

ومتى ستترسخ آلية اختيار الإدارات على أساس المسابقة وفق معايير واضحة، لا على أساس الانتماء الحزبي؟

أليست دروس الأزمة المستمرة كافية لإحلال مادة جوهرها (الأخلاق وآداب الحوار والتعامل مع الآخر) بديلاً لمقررات التربية الدينية؟

(النور) ستتابع هذا الملف، في الأعداد القادمة، وسنناقش كل قضاياه بما تستحق، وبما تفرضه علينا مسؤوليتنا الوطنية والسياسية والإنسانية.

العدد 1104 - 24/4/2024