خلطة الحرب والمشاعر! «على هامش ذكرى حرب تشرين»

اندلعت الحرب ظهراً، وكان جيلنا الفتي يائساً، لم يكن يتوقع أبداً أن ثمة خلاصاً من الهزيمة التي لحقت بأمته في حزيران عام 1967. كانت الهزيمة مُرّةً فعلاً، رغم أننا لم نكن نعي المعنى الحقيقي الذي تحمله هذه المعضلة الوطنية التي تواجهها الأمة.

كان الانكسار أمام أنفسنا واضحاً، فلماذا احتلت إسرائيل أراضينا في حزيران؟ ولماذا لم نستطع الدفاع عن الأرض؟ لماذا انهزم العرب على هذا النحو سريعاً وعلى نحو فضائحي، ودون أدنى مسؤولية؟ ثم لماذا لا يجتمع العرب على كلمة واحدة من أجل مواجهة إسرائيل التي ترسم وتخطط للسيطرة على المنطقة؟

تلك كانت أسئلة مهمة وعميقة في عمق وجدان الجيل كاملاً، ولكني أتذكر جيداً أن الفتيان الصغار كانوا يطرحون تلك الأسئلة في الحارة التي أعيش فيها، وأنا واحد منهم. ليس هذا بسبب النضج فحسب، بل أيضاً بسبب المنطق الطبيعي، فالعرب أصحاب حق، ويفترض أن يكونوا أقوى لأنهم أكثر!

اندلعت الحرب ظهراً، وسريعاً تراجعت ملامح حزيران. هل تعرفون معنى أن تتراجع ملامح حزيران في وجدان الشعب؟ يعني أن يتخلص المريض من أمراضه دفعة واحدة. يعني أن تمحى ذاكرة، وتولد ذاكرة جديدة!

ما الذي صنعته الحرب فينا؟ لقد انتشلتنا من أزمة ووضعتنا في طريق الحل. كنا نقف طوابير طويلة في حرب حزيران لنحصل على الخبز، لكن الطوابير انحسرت (في حرب تشرين) وانتظم الناس، ولا أحد يأخذ ما ليس بحاجة إليه. الناس روح واحدة. الشعور الوطني في أعلى درجاته!

يفتح الجميع المذياع لمعرفة ما الذي يصنعه الجندي السوري، وما إن ينتهون حتى يسارعوا إلى البحث عن محطة القاهرة، أو صوت العرب الإذاعيتين للتعرف على ما يصنعه الجندي المصري، وهو يستكمل عبوره لقناة السويس!

كان كل واحد من الجيل العربي معنياً بانتصار الجندي العربي على الجبهات المشتعلة مع العدو الإسرائيلي في سورية ومصر. كان كل واحد من الشعب العربي معنياً تماماً بالانتصار!

تلك المشاعر هي التي نسأل عنها اليوم، في أشرس وأعقد أزمة يعيشها العرب منذ عام 1973.

نحن عشنا تلك الأيام.. ونحن نعيش الآن هذه الأيام الصعبة. نقف أمام المرآة وقد كبر الجيل الفتي، ونسأل بقوة الانتماء:

-ما الذي يحصل ياعرب؟! هل نسيتم أيام الحرب؟! أم أنكم تنشغلون عنها في الصراع على الغنائم!؟

العدد 1104 - 24/4/2024