قراءة في معركة البادية السورية

مع نهاية عام 2012 فقد الجيش السوري سيطرته على أجزاء واسعة من البادية السورية، لحساب كلٍّ من المجموعات الإسلامية المسلحة والجيش السوري الحر. لاحقاً استطاع (تنظيم الدولة الإسلامية) أن يحقق انتصارات كبيرة على جميع خصومه من الأطراف المتصارعة، وسيطر على كامل البادية تقريباً ووصل إلى مشارف القلمون في الغرب، وريف السويداء في الجنوب. بقي هذا الوضع حتى نهاية عام 2016 عندما استطاع الجيش السوري، بالتعاون مع حليفه حزب الله، تحرير حقل حيّان النفطي، تلاه مدينة تدمر الأثرية، ثم بدأت مسبحة هزائم التنظيم تكرّ طوال عام 2017.

على العموم زاد دور حزب الله بشكل خاص خلال تحرير مدينة تدمر وبعده، ثم برز دوره في تحرير مدينتي دير الزور والبوكمال، وعملياُ قاد سلسلة الانتصارات كلٌّ من الجيش السوري وحليفه حزب الله، دون التقليل من أهمية دور الجيش الروسي بسلاحه الجوي خاصة.

انخرط حزب الله قوةً عسكرية أساسية ولا غنى عنها في معارك البادية، وشاركت عناصره في تحرير تدمر والميادين وأثريا والعشارة وشولا وغيرها من البلدات والقرى.

يتألف قوام الحزب من مشاة وقوات تدخل سريع وقوات نخبة، وراجمات صواريخ مختلفة القياسات، وقوات إمداد ووحدات لوجستية وهندسية، إضافة إلى نقاط طبية إسعافية عالية التجهيز. وحرص حزب الله على ضوابط صارمة في اختيار خصومه في معركة البادية، فهو رفض إدخال عناصره إلى الضفة الشرقية للفرات ومقاتلة القوات الكردية، سواء كانت (وحدات حماية الشعب) أو (قوات سورية الديمقراطية). وقال أحد القادة الميدانيين في حزب الله بحسب موقع المونيتور: (الأكراد ليسوا أعداءنا، لقد عملوا معنا في العديد من الأماكن، ولا أعتقد أنه من المعقول أن تندلع أي حرب معهم). وينسق الحزب بشكل كامل مع حلفائه من القوى العراقية والإيرانية المختلطة والجيش السوري والقوى الجوية الروسية. وكاستشراف مستقبلي تشير زيادة المساحات التي سيطر عليها الجيش السوري والانضباط الكبير لعناصر حزب الله سوف يمنعان أي ظهور جديد للـتنظيمات الإسلامية المسلحة في حواضر البادية، إذ إن أي جغرافيا حاوية لهم ستكون ضيّقة، وسوف تستدعي ردّاً عسكرياً سريعاً.

على العموم أثار التمدد الواسع لحزب الله في سورية حفيظة الولايات المتحدة، وهو ما عبّر عنه منسق وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، السفير نيثن سيل، في قوله إن (مواجهة حزب الله أولوية قصوى لإدارة ترامب). وهذا إنما يشير إلى تراجع المخططات الأمريكية في المنطقة، بشكل خاص محاولة عزل الجغرافيا السورية واللبنانية عن نظيرتها العراقية.

إن أهمية معركة البادية السورية والتخطيط العسكري عالي المستوى الذي أُنجز بين الجيش السوري وحزب الله، وبالتعاون مع سلاح الجو الروسي، يقودنا إلى مفهوم المشرقية؟ فلطالما كان المشرق الشامي- العراقي منطقة صراع على مر التاريخ، وشكل اندلاع الأزمة السورية الحالية شمولية استثنائية لهذا الصراع في بعديه السياسي والطائفي. وبعد عام 2011، لم تعد القضايا العسكرية والأمنية محددةً فقط داخل الدولة السورية، بل اخترقها إطار إقليمي ومن ثم دولي، هو أيضاً متأثر بمحددات جغرافية وأخرى اقتصادية لا يمكن تجاهلها. لذلك نعتبر تنفيذ حزب الله لعمليات عسكرية خارج حدود الدولة اللبنانية تكريساً لسابقة تاريخية واعدة، بما يحمله هذا الموضوع من مضامين وعي عميقة بوحدة المشرق ومصيره.

مما لا شكّ فيه أن حزب الله يلعب اليوم دوراً مهماً، بل محورياً في الحرب السورية، بداية في القلمون ثم جنوب دمشق، والآن في البادية السورية، وبدا واضحاً أنه لاعب الأساسي في تكريس حماية المشرق من الحدود العراقية السورية إلى بيروت. ونعتقد أن الوضع الجيوسياسي الحالي في سورية سيكون خاضعاً بشكل أو بآخر لتأثير القوة العسكرية لحزب الله ونظرته المستقبلية في إدارة الصراع في كل من لبنان وسورية.

العدد 1107 - 22/5/2024