ماذا وراء تزويد واشنطن لأوكرانيا بسلاح جديد؟

مؤخراً قررت الولايات المتحدة الأمريكية أن ترسل أسلحة حربية نوعية إلى أوكرانيا، ومن هذه الأسلحة صواريخ (جافلين) التي طورتها شركتا (راثيون) و(لوكيهد مارتن)، والتي تعتبر أحد أكثر الأسلحة المضادة للدبابات تطوراً في العالم، والأحدث في ترسانة الجيش الأمريكي وأرقاها تكنولوجياً. وقد استخدمها الجيش الأمريكي في العراق وكانت فعاليتها كبيرة جداً. وللعلم هي صواريخ خفيفة يزن الواحد منها نحو ثمانية كيلوغرامات، وتُحمل على الكتف. والميزة العالية لها أنها تنقض على الهدف من الأعلى مباشرة إلى منطقة البرج، أضعف نقطة في الدبابة وتدمرها تماماً، على عكس صواريخ (تاو) و(ميلان) التي تضرب الدبابة في جسمها الأكثر تدريعاً.

ومما لا شك فيه أن دخول مثل هذا السلاح المتطور والفعال إلى ميادين المعركة في شرق أوكرانيا، ستكون له تأثيرات كبيرة في ميزان القوى بين الأطراف المتحاربة هناك، وربما يؤدي إلى تقييد الوحدات المدرعة العائدة للذين رفضوا الانفصال ومؤيدي روسيا، أو حتى تدمير هذه الوحدات، وهذه النتيجة، إذا ما حصلت، قد تدفع روسيا إلى التورط المباشرة والعلني في مسار القتال هناك لمساعدة حلفائها، وهي خطوة تنتظرها الولايات المتحدة بفارغ الصبر لتطوير النزاع وإحكام الحصار عليها (هكذا تتوهم واشنطن).

ورغم التصريحات الروسية المنضبطة للسياسيين والعسكريين الروس، والتي لم تتجاوز التحذير من تجدد المعارك وإراقة الدماء في مناطق القتال بشرق أوكرانيا، إلا أن قلق الإدارة الروسية بدا واضحاً من وصول هذه الأسلحة الجديدة إلى أيدي الجنود الأوكرانيين المؤيدين للانفصال والمتحالفين مع واشنطن وبعض العواصم الأوربية، إذ إن تسليح الجيش الأوكراني بمثل هذه الصواريخ المتطورة جداً، قد يجعل هذا الجيش متفوقاً على معارضي الانفصال الذين تساعدهم روسيا، وبالتالي فإن موسكو تستشعر الخطر من وراء هذه الخطوة الأمريكية وتحسب حساباً لهذا الخطر، وتمتلك الوسائط لدرئه.

على أي حال، قد تبدو المسألة في بعض جوانبها مشابهة للخطة التي نفذتها وكالة الاستخبارات الأمريكية (السي آي إيه) في أفغانستان إبان التدخل السوفييتي فيها، عندما قامت بتزويد تنظيم القاعدة الذي كان يقاتل الجيش السوفييتي هناك بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، اللتين أوجدتا هذا التنظيم ومولتاه وسلحتاه ليقاتل الجنود السوفييت الذين جاؤوا إلى أفغانستان لدعم الثورة فيها وبطلب من حكومة تلك الثورة، بصواريخ من طراز (ستينغر) المضادة للطائرات، لاستخدامها ضد الطائرات السوفييتية المقاتلة، وكانت هذه الخطوة الأمريكية تجاه الحرب في أفغانستان بين الجيش السوفييتي والقوات الحكومية من جهة، وتنظيم القاعدة من جهة ثانية، قد أدت إلى اختراق كبير في تلك الحرب لصالح هذا التنظيم، وساهمت في إسراع الاتحاد السوفييتي السابق بالمبادرة إلى سحب قواته من أفغانستان.. هكذا تتخيل الإدارة الأمريكية الحالية أن الأمور في أوكرانيا ستتحول لصالح عملائها هناك، بسبب هذا السلاح الجديد، صواريخ (جافلين) التي أشرنا إليها في بداية المقال، إلا أن هذا التصور هو أقرب إلى الوهم والتنجيم، لماذا؟

أولاً_ إن منطقة شرق أوكرانيا والصراع الدائر فيها يختلف بشكل جذري عن الصراع الذي كان يدور في أفغانستان.

ثانياً_ إن صواريخ (جافلين) التي تراهن الولايات المتحدة على فعاليتها وأنها ستحسم المعركة لصالح عملائها، تفتقد عنصر المفاجأة الذي حققته صواريخ (ستنغر) في أفغانستان، الأمر الذي يتيح للجيش الروسي أن يضع الخطط الكفيلة بالتصدي لها واحتوائها.

ثالثاً_ إن الجيش الروسي يمتلك من الأسلحة المتطورة والتي لم يكشف عنها ما يتفوق إلى حد كبير على صواريخ (جافلين) وغيرها، وهذا ما أكدته مراكز أبحاث استراتيجية في الغرب وحتى في الولايات المتحدة نفسها.

رابعاً_ إن إنهاء حرب قائمة مثلما كان الأمر في أفغانستان، يختلف تماماً عن العمل على إشعال فتيل حرب جديدة لا يعرف الأمريكيون مدى نطاقها واتساعها أو حتى احتمالات تمددها وانتشارها، فضلاً عن نتائجها.

وبناء على ما تقدم يمكن القول، بل والتأكيد، أن هذه الصواريخ الجديدة لعملاء واشنطن في أوكرانيا لن تغير من الواقع الميداني شيئاً، والمراهنات الأمريكية عليها مراهنات خاسرة لا محالة.

العدد 1107 - 22/5/2024