حبيبتي جمرايا!

هناك.. عند كتف الساعد الجنوبي لجبال القلمون تنام جمرايا!

ياعيني على قرية جمرايا عندما تنام، فهي وادعة مثل طفل صغير ينام في حضن أمه الدافئ في ليلة شتاء ماطر.

يمكن للتلاميذ الموجودين في جمرايا أن يقرؤوا كتبهم بذهن مفتوح، وأن يحفظوا أناشيد وطنهم بسهولة شرب الماء، ويمكن للمريض أن يشفى بهوائها، ويمكن للرعاة المارين فيها أن ينفخوا في شبّاباتهم للخراف التي أشبعها عشب، ويمكن للصبايا أن يخرجن فيها بأمان قبل غروب شمس كل يوم.. الهدوء فيها طبيعي،  فالله خلق جمرايا لتكون وادعة آمنة ساكنة مثل واحة في برية خضراء!

وكانت تمطر فوق جمرايا في ذلك الفجر.

كانت تمطر في ذلك الفجر.. وكان تلامذة المدارس يغطون في نوم عميق قبل أن توقظهم أمهاتهم إلى المدارس في صباحات ضواحي الشام وهي تتأهب للحياة.

كانت تمطر وتمطر وكأنها تريد أن توقظ الناس قبل حصول شيء مما تعده الذئاب الطائرة القادمة من إسرائيل فوق روابي البلاد وجبالها الغربية المتاخمة للبنان. وفجأة.. هدرت صواريخ الطائرات، واشتعلت النيران في مراكز بحوث جمرايا، وعوت ذئاب إسرائيل الجوية وهي تعود إلى فلسطين المحتلة!

سأل المواطنون عند الصباح:

– لماذا يخافون البحث العلمي في بلادنا؟!

سأل التلاميذ المارون أمام الأبنية المدمرة لمراكز البحث العلمي:

– إنها تشبه مدارسنا، مفتوحة على الشمس، نوافذها مشرعة على حضارة هذا العالم، إنها لاتشبه مفاعل ديمونة الإسرائيلي، فلماذا دمروها بهذه الوحشية؟

بكت العصافير على جمرايا، وأعلن السنونو أنه لن يغني ذلك الصباح، وقالت القبرات لبعضها: لماذا يخافون من جمرايا؟!

وظلت تمطر وتمطر.

وظل التلاميذ يذهبون إلى المدارس كل صباح.

وظلت جمرايا هادئة وادعة تنام كل ليلة على الساعد الجنوبي لجبال القلمون، لكن الذي حصل كان غريباً.. لكن الذي حصل أثار اهتمام العالم في كل مكان.. ففي جمرايا انتشر المهندسون.. انتشر العمال.. انتشرت رافعات الأنقاض، ومن حولهم تجمع الطلاب والتلاميذ يصفقون للرد الكبير الذي لم يتوقعه أحد.. فقد بدأت جمرايا تنشئ عشرات المدارس والجامعات ومراكز البحوث العلمية لتتسع لأولئك الأطفال الذين أيقظتهم الطائرات الإسرائيلية عند الفجر، ولم يكونوا قد دخلوا المدارس بعد!

يا عيني على جمرايا!

ظلت قرية جميلة تنام على الساعد الجنوبي لجبال القلمون، وراحت السماء تغسلها بالمطر!

العدد 1104 - 24/4/2024