التراشق بالثلج.. تراشق بالمحبة!

لم أقرأ في يوميات دمشق للبديري الحلاق شيئاً عن لعبة التراشق بالثلج، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر تحفل الصور التي تتحدث عن المشاكل التي مرت بها البلاد وتجاوزتها رغم كل الظروف. أي أن كتب التاريخ تحب الحكي عن المشاكل والأزمات أكثر من حديثها عن ظروف السعادة والسلام التي يشتغل عليها الناس ويحلمون أن تعم بلادهم!

والحديث هذه المرة هو عن (لعبة التراشق بالثلج)، فهل شاهدتم السوريين وهم يتراشقون بالثلج في الأيام الماضية؟! هل شاهدتموهم وهم يتراشقون بالمحبة والبياض؟! هل شاهدتموهم وهم يتوقون إلى حياتهم التي هي جوهر وجودهم وانتمائهم إلى أرض المحبة؟!

لم ينتبه المؤرخون إلى ذلك!

لم يسمع البديري الحلاق ذلك ليسجله، ولم يكتبه ابن عساكر عندما جمع تاريخ المدينة، ولم يخبرنا به الطبري ولا ابن الأثيرولا ابن خلدون، ولا غيرهم من المؤرخين الذين عرفهم التاريخ.

أخبرتنا به الحياة.. أخبرتنا به العين التي نرى بها، والقلب الذي يخفق من أجل الوطن. فرغم الأزمة التي يعيشها السوريون، والتي راكمت عليهم ظروفاً صعبة تبدأ بأقل حاجيات الحياة اليومية وصولاً إلى الأمن الاجتماعي والاقتصادي وصولاً إلى الأمن الوطني.. رغم كل ذلك أشرقت نفوسهم بالمحبة وخرجوا إلى بياض الثلج يبحثون فيه عن هوية الحياة التي يحبون، أي يبحثون عن بياض قلوبهم الذي حاولت الأزمة التعتيم عليه!

هذا الجرح الكبير لحياتنا لا دواء له إلا المحبة، ولاتوجد المحبة في أرجاء الأرض كما وجدت في حياة السوريين على مر الزمان، لأن سورية هي أرض الحضارات، وفي أي أرض من هذا العالم لايمكن أن تنشأ حضارة عظيمة مالم تؤسس على محبة عظيمة تنهض بركائزها!

إنه الثلج.. أبيض أبيض يشبه النقاء..

يحاول أن يغطي البلاد بيديه الباردتين، لعله يطفئ نيراناً أشعلها العالم في سفينتنا الغالية الرائعة.

إنه الثلج…

نقي.. نقي..

يشبه البلاد التي نحبها والتي تحبنا، والتي تبحث هذه الأيام عن صورة غد مطمئن دافئ!

العدد 1104 - 24/4/2024