مسابقات خادعة بعنوان: غيّر حياتك

 من يهتم بالظواهر الاجتماعية ويتابع تطورها وانتشارها يلاحظ أن مجتمعنا يتأثر بهذه الظواهر كغيره من المجتمعات، وتختلف شدة التأثر بها حسب درجة وعي الناس واهتمامهم بها، منها انتشار ظاهرة مسابقات اليانصيب التي أخذت اليوم أشكالاً جديدة، فلم تَعد تقتصر على أوراق اليانصيب بل أصبحت تستهدف الجميع عبر الرسائل القصيرة التي تصل إلى كل هاتف جوال، ومن خلال القنوات الفضائية التي تدخل كل منزل وتعد المتلقي بجوائز مالية مغرية بطريقة سهلة .

ولا يخفى على أحد أن القائمين على مثل هذه المسابقات هم الذين يجنون الأرباح والمبالغ الطائلة التي تُجمع من خلال التكلفة المفروضة على الرسالة المرسلة. ولربما يرى الإنسان العادي أن هذه التكلفة زهيدة جداً مقابل قيمة الجائزة المعلن عنها، ولكن في الحقيقة هناك ملايين ممن يشتركون في هذه المسابقات، وبالتالي سيربح المعلن ما يمثل قيمة هذه الرسائل التي تعادل مليارات، ولا يقدمون للفائز إلا كما يقال(من الجمل أذنه) وسيبقى من لم يحالفهم الحظ على أمل الربح في المسابقات القادمة ليعاودوا الكرة ويلتهموا الطعم نفسه من جديد متمنين الفوز يوماً ما.

ولكن هل يعود انتشار هذه الظاهرة وإقبال شريحة من المجتمع السوري عليها لإدمانهم عليها وانجذابهم لها، أم رغبة في الفوز بالجائزة المالية البراقة التي تخلصهم من واقع حياتهم المرير، الذي يصعب فيه تأسيس عمل ينشلهم من حطام الحرب ويوصلهم إلى حياة كريمة، فعند الاستماع لأحاديث الشباب ممن شاركوا بمثل هذه المسابقات تتلخص الأسباب التي دفعتهم لها بأملهم بربح الجائزة وتوظيفها بما يعود عليهم بالفائدة، فهناك من يرغب بشراء منزل يعوضه عن بيته الذي خطفته الحرب، وذاك الذي يسعى لفتح مشروع صغير يؤمن له دخلاً جيداً يعيل به أسرته، وآخر يتمنى الربح فقط ثم سيقرر كيف ينفق الجائزة بما يلبي حاجاته ويضمن سعادته، وتلك التي ستقدمها لعائلتها وتنفق منها على تعليمها وراحة ذويها، وغيرها الكثير من الأمنيات المعلقة بورقة يانصيب أو برسالة مرسلة محملة بالكثير الكثير من الأحلام مجهولة المصير. فتجد من اشترك بها مرة لإثبات أن حظه عاثر، ومن يداوم على المشاركة بها ويحرص عليها من خلال تتبع كل فرصة تعرض على صعيد محلي أو عربي بلا كلل أو ملل.

وبين إدمان البعض ويأس آخرين توزعت شريحة المشاركين وتنوعت حتى شملت شباب في مقتبل العمر، فإن دل هذا على شيء فإنه يدل على المدى الذي استشرى به اليأس في نفوس الناس ليصبح المحرك الأول باتجاه مسابقات اليانصيب، ويشير إلى صعوبة واقعنا المعيش في زمن الحرب، ويكون أمل الربح هو الملاذ الوحيد للنجاة من مستنقع البؤس، وأنه لم يبق لهم حل غير رهن حياتهم بالمجهول والانتظار ريثما ينقشع السواد عن سماء بلادنا وتعود الحياة إلى نصابها.

فالاستقرار المعيشي حاجة يسعى المواطن السوري للوصول إليها إن كان بالطريقة السهلة وغير مضمونة النتائج التي تتمثل بمسابقات اليانصيب المختلفة، أو من خلال العمل على تطوير بلادنا ودفع عجلة الحياة إلى الأمام وتنشيط التنمية على جميع مستوياتها وإنشاء مشاريع واعدة تؤمن فرص عمل جيدة، لتنعش معها يقين الشباب بأن العمل الجاد والمتفاني هو الذي يضمن واقعاً أفضل لتحقيق ما يصبون إليه، فإخراجهم من هذا الوهم الخادع وحمايتهم عبر توعيتهم من هذه الإعلانات الساحرة التي تعدهم بربح سهل وسريع ليكون هو مسمار الأمان، للحيلولة دون طحن حاضرهم من قسوة الانتظار وتدمير مستقبلهم من شدة ألم انكسار الأحلام.

العدد 1105 - 01/5/2024