طلاب الشهادات والهروب بحثاً عن معدّلات!

 لا أعتقد أنكم تخالفونني الرأي في أن ظاهرة التسرب لطلاب الشهادات هي من بين أهم الظواهر السلبية في مدارسنا. تلك الظاهرة استفحلت كثيراً خلال السنوات الأخيرة، إذ يترك طلاب الشهادات الدوام في مدارسهم مع بداية الفصل الدراسي الثاني، ويتوجّهون إلى المعاهد الخاصة أو إلى بيوت بعض المعلمين ممن امتهنوا هذه المهنة لأسباب عديدة فأصبحت ضربا من التجارة، إذ يسعى العديد من الطلاب إلى تلقّي ساعات خصوصية في معظم المواد طبعاً، مع الترويج لبعض حالات التسميع وتوقّع أسئلة وإجراء اختبارات لهم. وبالطبع دون أن ننسى المبالغ المالية الكبيرة التي بات يتقاضاها هؤلاء المدرسون والتي وصلت عند البعض منهم لنحو ثلاثمئة ألف ليرة للمادة الواحدة كالرياضيات أو الفيزياء والكيمياء بالنسبة للفرع العلمي، والفلسفة والعربي للفرع الأدبي في السنة.

طبعاً هذه الظاهرة لها أكثر من جانب خطير، منها ما هو تربوي أو اجتماعي وأخلاقي.

وهذه الظاهرة أصبحت حديث الجميع في مجتمعنا وعلى مختلف المستويات، ولم نلحظ اية مبادرة جادة للمعالجة من قبل أي من المعنيين، ومن ثم إعادة الطلاب والمدرسين إلى مدارسهم وإنهاء المنهاج الدراسي داخل صفوفهم ووفق القوانين وأنظمة الدولة وخطة الوزارة وسياستها التربوية.

المتابع لما يجري سيدخل حكماً في دهاليز التبريرات من جميع الأطراف، إذ إن كل طرف من أطراف العملية التربوية يتهم الآخر ويحمله المسؤولية التي ادت إلى ما نحن عليه اليوم.

السيد محمد عيسى (موظف) يتحدث عن معاناته في تأمين متطلبات ولده هذا العام خصوصاً في هذه الظروف الصعبة ويؤكد أنه لم يعد قادراً على تأمين احتياجات الأسرة لأن ما يطلبه المدرسون الخصوصيون يستنزف راتبه الهزيل أصلاً، وهو في حيرة من أمره دون أن يجد جهة يمكنه أن يجد فيها خلاصاً له.

الطالبة رند إبراهيم تتحدث عن معاناتها في الصف أثناء الحصة الدراسية وتقول بأن البعض ممن يتبعون الدروس الخصوصية يضيعون الوقت من خلال الفوضى المفتعلة أحياناً والنقاشات الفارغة في الصف، والمدرسون يقفون عاجزين عن كبح الفوضى لأنهم يتابعون دروساً خصوصية عند هؤلاء المدرسين.

 للجهاز التربوي رأيه أيضاً بالموضوع، إذ يتهم الطلاب بالتقصير وعدم الاهتمام الكافي داخل المدارس، وإضاعة الوقت في قضايا هامشية لا معنى لها وإشاعة جو من الخوف وعدم الثقة بالجهاز التدريسي عند الأهل. والحديث عن صعوبة المنهاج وضرورة اتباع دروس خصوصية والانقطاع عن المدرسة في وقت مبكر ليتمكنوا من استكمال المنهاج الضخم. ويضيف الأستاذ عيسى بأن هناك جملة من الظروف الخاصة التي تدفعه لإعطاء الدروس الخصوصية خاصة في هذه الظروف الصعبة على أي أسرة، في حين تبرر الإدارات المدرسية ما يحدث وتتهم الأهالي بالبحث عن مدرسين لتأمين علامات مرتفعة لأبنائهم بكل الوسائل حتى ولو كلفهم ذلك مبالغ كبيرة، لخوفهم مزن ارتفاع معدلات القبول الجامعي، وبالتالي ضياع مستقبل الأولاد.

أخيراً

لا أحد ينكر ما يحدث ولن نستطيع إغماض عيوننا تجاه ذلك، لكن بالمقابل لا أحد قادر على معالجة هذه الظواهر، وبالتالي باتت المشكلة تكبر وتتضخم يوماً بعد يوم وسط استمرار الشكوى منها ومن تداعياتها.. فهل من مصلحتنا ترك الحبل على غاربه دون خوف مما هو أعظم.

 

العدد 1105 - 01/5/2024