تصريحاتٌ مفخخة ووعود كاذبة ورشا غير مجدية!

 أضحت المداهنة والنفاق والكذب صفاتٍ لصيقة بالمسؤولين الغربيين عموماً، والأمريكيين خصوصاً، وأعتقد أن أي مواطن عربي يستطيع استجلاء هذه الحقيقة دون أدنى عناء. وبما أنّ الأحداث السياسية في منطقتنا العربية تتسارع وتتداخل وتتعقد يوماً بعد يوم، فإنه من الجدير كشف هذه الأكاذيب وتعريتها باستمرار، والتذكير دائماً بالعواقب السيئة التي قد تنجم عن الانسياق وراء الوعود والأضاليل الأمريكية.

قام وزير الخارجية الأمريكي، في الأيام القليلة الماضية بجولة شملت عدة بلدان شرق أوسطية، حرص فيها على استيفاء كل عناصر الشكل، من لغة دبلوماسية راقية وابتسامات متكلفة. وبالرغم من أن جدول أعمال الوزير الأمريكي كان مثقلاً وغنياً بالمسائل الهامة، إلا أنّني سأتوقف فقط عند بعض التصريحات التي أدلى بها، وسأتناول بعض النقاط الحاصلة في هذه الزيارة.

في القاهرة، المحطة الأولى، وفي جواب على سؤال لأحد الصحفيين حول القدس، قال تيلرسون: (أعتقد أنه من المهم أيضاً ملاحظة نقطتين، في إعلان ترامب المتعلق بالقدس؛ الأولى أنه لم يوصِ بأي تغييرات في الوضع الراهن بالنسبة للإشراف على الأماكن المقدسة، معترفاً بالدور الصحيح للسلطات الحالية؛ الثانية هي أنه لم يتم تحديد الحدود النهائية للقدس بعد، وهذا ما يتم تقريره بين الأطراف).

يبدو لنا أن الوزير الأمريكي تناسى أن جميع التدابير التشريعية والإدارية والإجراءات التي تميل إلى تغيير الوضع القانوني للقدس باطلة، وهذا ما أكّده قرار مجلس الأمن رقم 252 لسنة ،1968 وقد أعيد التأكيد على ذلك في قرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار رقم 267 لسنة 1969 و القرار رقم 446 لعام 1979. إضافة إلى ذلك، فلقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم 465 لسنة ،1980 فأدان قانون القدس لعام 1980 الذي أعلنت فيه إسرائيل أن القدس هي عاصمة إسرائيل (الكاملة والموحدة)، معتبراً أن هذا القانون الإسرائيلي يعد انتهاكاً للقانون الدولي.

لذلك فإن هذه المحاولات التجميلية البائسة لقرار ترامب، واختزال قضية القدس بالإشراف على الأماكن المقدسة أو تحديد حدود المدينة لا تجدي نفعاً، وعلى الإدارة الأمريكية التراجع عن هذا القرار الأخرق، الذي استفز مشاعر مليارات حول العالم.

النقطة الثانية في جولة تيلرسون، والتي يمكن أن نضع عنواناً عاماً لها بـ (التدخلات المزعومة من قبل إيران في شؤون دول المنطقة). ففي الكويت حرص ممثل الدبلوماسية الأمريكية على التأكيد أن الوجود الإيراني الواسع في اليمن والعراق ولبنان سورية هو عامل غير مساعد ولا يجلب الاستقرار والأمن، وعلى إيران سحب قواتها من هذه البلدان. أما في الأردن، صاحب الامتياز بإدخال مفهوم (الهلال الشيعي)، فلقد كانت اللهجة أقل دبلوماسية، إذ دعا تيلرسون إيران إلى سحب (ميليشياتها) من سورية والسماح لعملية السلام في جنيف بأن تأخذ مجراها!

من هنا، نجد أنه لا بد من تذكير السيد تيلرسون بأنه لا وجود لقوات إيرانية في سورية، بل هناك مستشارون، يقدمون الاستشارات العسكرية للجيش السوري، بعلم وموافقة الحكومة الشرعية في دمشق، كانوا قبل الأزمة وأثناءها، وسيبقون ما دامت تقتضي الضرورة ذلك. أما الوجود غير الشرعي فهو وجود قوات بلاده على الأرض السورية دون دعوة من أحد، والتي وصفتها روسيا بأنها قوات احتلال، وعلى هذه القوات غير المرحب بها أن ترحل عن هذه الأرض بأسرع وقت ممكن؛ فللقوات الأمريكية ذكريات أليمة في لبنان في ثمانينينات القرن الماضي، ويعلمون جيداً أن سورية قادرة على طردهم بالقوة.

وبالعودة إلى الكويت، حيث جرى اجتماع للتحالف الدولي ضد داعش بتاريخ 13 شباط ،2018 قال تيلرسون: (لا يعني انتهاء العمليات القتالية الرئيسية أننا ألحقنا الهزيمة بداعش. فلا يزال داعش يشكل تهديداً للاستقرار في المنطقة، لأراضينا، وللأجزاء الأخرى من العالم. دون انتباه أعضاء التحالف، فإننا نخاطر بعودة المجموعات المتطرفة كداعش إلى المناطق المحررة في العراق وسورية وانتشارهم إلى أماكن أخرى).

ومع أننا نشاطر السيد تيلرسون حرصه على أمن منطقتنا، إلا أنه لم يخبرنا أو يخبر أعضاء تحالفه المزعوم عن النشاطات الأمريكية في قاعدة التنف ومخيم الشدادي، إذ تؤكد العديد من المصادر وجود حوالي 350 مقاتلاً داعشياً في الموقع الأول وحوالي 750 مقاتلاً في الثاني، وجميع هذه العناصر الإرهابية موجودة بعلم وحماية القوات الأمريكية.

النقطة الرابعة والأخيرة، هي موضوع حزب الله، فقد أكّد تيلرسون في بيروت، محطته الرابعة، أن الحديث عن الاستقرار والسيادة والأمن في لبنان غير ممكن بوجود حزب الله، وأن المدافع الشرعي عن لبنان يجب أن تكون القوات المسلحة اللبنانية.

نجد أنفسنا مضطرين من جديد لتذكير السيد تيلرسون بأنه لا يوجد عدو للبنان في المنطقة سوى الكيان الصهيوني، الذي خصص له البيت الأبيض، في ميزانية عام ،2019 حوالي 3,3 مليارات دولار كمساعدات عسكرية، ويمثل هذا الرقم عشرات أضعاف حجم المساعدة الأمريكية العسكرية للجيش اللبناني، ولقد أشار السيد حسن نصر الله في خطابه الذي ألقاه في ذكرى الشهداء القادة إلى هذه النقطة.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن السيد تيلرسون وقع مذكرة تفاهم مع الأردن، مدتها خمس سنوات من 2018 حتى ،2022 لتقديم مساعدة مقدارها 257,1 مليار دولار سنوياً، أي بزيادة قدرها 257 مليون دولار عن الفترة السابقة 2015-،2017 ولا يمثل الدعم العسكري فيها سوى 200 مليون دولار!

ختاماً، أمام هذا الاستهتار الأمريكي بحقوق الشعوب وقضاياها العادلة، وأمام هذا الاستخفاف المتعمد بعقول الناس، لا يوجد طريقة للتعامل مع واشنطن سوى لغة الحزم التي سمعها من المسؤولين اللبنانيين حول الحقوق السيادية في ثروات لبنان؛ كما أنه لا يوجد نهجٌ لإيقافهم عند حدودهم سوى المقاومة؛ أما هذه التصريحات والوعود المفخخة والكاذبة والمساعدات التافهة فلم تعد تنطلي على أحد.

العدد 1104 - 24/4/2024