خطاب الوداع في (شيكاغو).. نفاق جديد!

لا ينفك القاع الأمريكي يغور في كل مرة أبعد مما كان متاحاً له، ويغالي رئيسه المنتهية ولايته، كما في كل مرة، في المباهاة بما يعتبره إنجازات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي.. ففي خطابه الوداعي الذي ألقاه يوم 11/1/2017 في شيكاغو، المدينة التي رسم فيها سيرة حياته المهنية، وأصبحت معقله السياسي، خصص باراك أوباما أول رئيس من أصول إفريقية في تاريخ الولايات المتحدة، القسم الأكبر من خطاب الوداع للدفاع عن الديمقراطية، وتقديم جردة لإنجازات سنواته الثماني التي قضاها في البيت الأبيض، علماً بأن جردة الإنجازات هذه إذا ما وضعت على أرض الواقع، فإنها لا تعدو أن تكون محاولة للاستعانة بمساحيق التجميل والعبارات المنمقة والدموع المنسدلة على خده، لرسم صورة تليق بمناسبة الوداع، مع أن ما تخفيه تلك المساحيق والكلمات والدموع ليس إلا صورة عبثية لواقع يكثر فيه اللغو من دون طائل، سواء فيما يتعلق بالصراع العربي – الصهيوني والقضية الفلسطينية ورؤيته (لحل الدولتين)، أو ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا الاتحادية، أو ما يتعلق بالحرب على الإرهاب.

الجميع يعرفون الموقف المائع لأباما من قضية فلسطين وحل الدولتين، ولذلك حاول في خطاب الوداع التنصل من مسؤوليته كرأس على هرم السلطة فيما يتعلق بهذه القضية، ومن دعمه المطلق وغير المسبوق لأبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث، والذي مايزال سجله مترعاً بجرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية التي يرتكبها صباح مساء، كما حاول التبرؤ من سياسة نتنياهو الداعمة للاستيطان الذي يجعل إقامة دولة فلسطينية أمراً شبه مستحيل.

ماذا قال أوباما عن ذلك في خطاب الوداع؟ قال إنه ووزير الخارجية كيري (ناشدا) نتنياهو بصفة شخصية مرات لا تحصى لوقف الاستيطان، لكنه تجاهل تلك المناشدات!

من دون شك، إن مثل هذه اللغة تعبر عن موقف ضعيف، كما أنها بمثابة ذر الرماد في العيون، لا بل هي لغة من يربت على كتفي نتنياهو، بدليل أن (بيبي)، كما حاول أوباما أن يشير إلى نتنياهو بلقبه هذا، حصل في عهد أوباما على دعم لم يقدمه أي رئيس أمريكي سابق لإسرائيل، وبالتالي فإن الادعاءات الواردة في مقابلة بثها تلفزيون القناة الثانية الإسرائيلي للرئيس أوباما عن الاستيطان وحل الدولتين، والانتقاد الموجه لسياسة نتنياهو، لم تكن إلا مجرد صياغات خطابية اقتضاها العرف الدبلوماسي، بل أكثر من ذلك جاءت متخمة بنفاق سياسي كبير لا مثيل له، وما يدل على ذلك هو محاولة أوباما وكيري غير المسبوقة لتغيير حدود عام 1967، من خلال طرح ما أسمياه (تبادل أراض) بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبالتالي فإن امتعاض أوباما من سياسة الاستيطان ومن رفض نتنياهو لحل الدولتين، هو شكلي ولا قيمة له، بل هو للتضليل والتغطية على مواقفه الداعمة لإسرائيل.

من جهة أخرى فإن تدخلات أوباما في الشؤون الداخلية للدول، خاصة العربية منها، ودعمه لتنظيمات إرهابية تحت عنوان خادع (معارضة معتدلة) و(مساعدة الشعوب المتطلعة للتغيير)، كل هذا يكشف النوايا الخبيثة لأوباما، فهو يفعل عكس ما يقول.. ألم يعطل الاتفاقات التي تم التوصل إليها لافروف وكيري أكثر من مرة؟!

ألم يدعم السعودية في حربها ضد الشعب اليمني؟ كثيرة هي الأمثلة في هذا السياق.

أما محاربته للإرهاب فكانت شكلية، حتى أن البتناغون، بناء على توجيهات أوباما، كان يساعد داعش بشكل غير مباشر، ويغض النظر عن تحركاتها خاصة في سورية، إضافة إلى ذلك مد له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يده أكثر من مرة للتعاون في حل العديد من المسائل الدولية، مثل مسألة أوكرانيا والحرب على سورية، إلا أن أوباما راوغ ورفض التعاون مع روسيا تحت ذرائع واهية.

باختصار، إن سياسة أوباما خلال السنوات الثماني التي قضاها في البيت الأبيض، لم تتمتع بأية مصداقية تجاه مختلف القضايا الدولية، وبالتالي فهي سنوات عجاف وقاسية، وغير مأسوف عليه عندما يغادر البيت الأبيض في العشرين من شهر كانون الثاني الجاري 2017، ويمكن القول إن خطابه الوداعي في شيكاغو كان خطاباً مليئاً بالنفاق السياسي وبمحاولات تلميع صورته في الداخل الأمريكي وفي الخارج.

العدد 1105 - 01/5/2024