هكذا.. الثقافة بحاجة اليوم إلى موقف!

بين فترة وأخرى نشعر أن الصورة الحضارية في المجتمع السوري تهتز، وهذا الشعور مرده إلى أصالة الإنسان السوري واعتزازه بتاريخه وهويته، ورغبته الشديدة في أن يبقى النموذج السوري هو النموذج الذي يبحث عنه العرب،  وخاصة أن الهوية الحضارية التي نعيش عليها، وننتمي إليها، لم تكن وليدة حقبة قصيرة من عمر السوريين، بل هي نتاج تطور طويل من التاريخ الذي يمزج بين الانتماء العربي وخصوصية التطور الحضاري للإنسان السوري!

كيف نبرر ظهور هذا الشعور؟!

هل نحن مذنبون عندما نشعر بذلك؟

وهل علينا تقديم أسف ما أو اعتذار وطني، أم أن المسألة لها وجه آخر من وجوه وإفرازات الزمن الصعب الذي نعيش فيه؟!

المسألة  لاتصل إلى هذا الاتجاه أبداً.. بل على العكس، يتوافق هذا الشعور مع الرغبة في تعميق الانتماء الوطني عند كل منا، في وقت صعب تعيشه البلاد ويعيشه السوريون، والمثقف معنيّ به بشكل أساسي!

هل اهتزت الصورة الحضارية لانتمائنا؟!

لايمكن أن يكون الجواب محصوراً بالإجابة المباشرة المتوقعة، فقد كانت المأساة أكبر مما نتوقع، وكانت ظلال الأزمة خلال السنوات الثلاث التي مرت أكثر دموية وسوداوية حتى مما توقعه أولئك الذين شاركوا في إسالة الدم السوري!

اهتزت الصورة الحضارية للإنسان السوري عندما ظهرت الملامح المأساوية في الصراع:

أولها: محاولة التأثير الخارجي على صورة المواطنة والانتماء، والعمل على إثارة نعرات لم تكن أبداً قابلة للترويج في سورية.

     وثانيها: تأجيج الصبغة الدموية في مشهد الصراع الداخلي، ونقله من إرادة التطوير التي كانت واضحة وكان يجري العمل عليها وفق تصور هادئ، إلى سعير تغير غير مبرمج وليس له أدوات ولا تصور!

فما الذي جرته هاتان الصورتان من الملامح المأساوية؟

بكل بساطة: دخل الخارج على الخط بمشاريع كان يجري العمل عليها منذ ظهور مبدأ إيزنهاور الذي طرحته أمريكا في عام 1958 حول سد الفراغ في البلدان المستقلة، وعمل هذا الخارج على تعميق الهوة بين السوريين والتأسيس لقواعد ثابتة للانقسام الاجتماعي المتوقع!

كما جرى التحريض وتهيئة كل أدوات الموت والدم، التي كان على الدولة مواجهتها، لأن المسألة لم تكن تعني بالنسبة للدولة إرادة تغيير وطني / داخلي، بل كانت تعني تأجيجاً لصراع داخلي لايخدم وحدة الأمة..

أمام كل هذا التعقيد غاب المثقف السوري عن الفعل، ولم يكن هذا الغياب إلا واحداً من الظواهر المرضية التي كانت تسري في المجتمع  وتجعل من المثقف عاجزاً عن التأثير.

الآن، الجميع مدعوون للدفاع عن الصورة الحضارية للإنسان السوري، وخاصة العقل السوري الذي كان هامشياً حتى الآن، فهل تكون تداعيات مؤتمر جنيف 2 فرصة لهذه الخطوة؟!

العدد 1105 - 01/5/2024