إلى ماذا استند ترامب؟

كتب بشار المنيّر: 

يقول هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأمريكي الأسبق) في حديثه لصحيفة (ديلي سكيب): (لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أنا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الاستراتيجية، خصوصاً أنها تحتوي على البترول، لم يبقَ إلا خطوة واحدة هي ضرب إيران، لقد حلمت كثيراً بهذه اللحظة التاريخية).

في ظل إدارة أوباما (البراغماتي) لم تكن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى الاحتلال العسكري، وإن لوحت به أحياناً، بل لجأت إلى تدعيم خيوط التشابك مع العديد من الأنظمة العربية، لكن أوباما رأى إمكانية تحييد (الخطر) الإيراني، وراح إلى الاتفاق النووي، وسط استنكار اللوبي الصهيوني والمجمع الحربي- الصناعي- المصرفي.

كان على هذا المجمع أن يأتي برئيس أرعن لا يقيم وزناً لمنطق السياسة، بل يسعى مباشرة إلى الهدف، ولو تطلب الامر إشعال الحرائق في كل مكان، المطلوب هو شرق أوسط صهيوني- أمريكي، وهكذا استند ترامب في الداخل إلى واضعيه في المكتب البيضاوي.. الذين رأوا أن هيبة أمريكا أصبحت في الحضيض.

ووحدها بلدان الشرق الأوسط هي المفتاح..

في الشأن العربي، كان أمراً منطقياً أن يستند ترامب، في تحدّيه للقرارات الدولية ولمشاعر العرب، إلى أنظمة تهمّش مصالح شعوبها.. وإلى حالة هؤلاء (العرب) الراهنة التي تجاوزت اصطلاح (الأخوة الأعداء)، ووصلت إلى (الأعداء الذين كانوا إخوة)، وذلك بفضل التطبيق الحرفي لمخطط الصهيونية العالمية والإدارة الأمريكية، فعندما ترسل ممالك البترول المليارات، وتفتح الترسانات العسكرية، وتبث فتاوى (الجهاد)، وتبعث الهياكل العظمية في مغاور التاريخ بهدف تهديم سورية، وحرقها، سورية التي قالت لأمريكا وإسرائيل: لا، وعندما تقيم تحالفاً إقليمياً وعالمياً للعدوان على اليمن.. وتهديد استقرار بلدان أخرى كلبنان.. والعراق.. ومصر، فهي توفر لترامب أو أي رئيس أمريكي آخر السند الإقليمي.. والعربي الرسمي، لتنفيذ هذا المخطط الصهيوني. لقد أوصلت ممالك البترول التضامن العربي إلى مستوى يعدّ بجميع المقاييس مطلباً صهيونياً كان أشبه بالحلم.

أما في الصف الفلسطيني.. وبعد أن توهم الكثيرون من إخوتنا الفلسطينيين بإمكانية إقامة دولتهم عن طريق التنازل.. والاتفاقات المنفردة.. وإحالة البندقية المقاومة إلى التقاعد، وجدوا أنه كلما أمعنوا في تنازلهم، ازدادت شراسة الكيان الصهيوني الذي لا يقيم وزناً لا للاتفاقات.. ولا للتنازلات.. لكنهم رغم ذلك مازالوا ينتظرون.. ويأملون حتى أن بعضهم رأى أن تحرير القدس يبدأ من دمشق!! فساهموا في القول.. والفعل.. والدعم السياسي.. والطائفي، في الغزو الإرهابي لسورية، الغزو الذي خططت له الولايات المتحدة.. وأوكلت تنفيذه إلى ممالك البترول وعتاة الإرهابيين.

هل بعد ذلك نتساءل: كيف تجرأ ترامب؟!

في هذا الوضع العربي المتردي، الأمل معقود على الانتصار النهائي على الإرهاب في سورية والعراق، الذي بدت مؤشراته في الميدان، معقود على صحوة الشعوب العربية من غيبوبة الطائفية.. والفئوية.. والعشائرية، والذهاب إلى تضامن عربي حقيقي وفاعل، معادٍ لأي مخطط يستهدف وجودهم، ويقتنص شبراً واحداً من أرضهم، الأمل معقود على صحوة فلسطينية، ومراجعة لكل السياسات التي مورست خلال العقدين المنصرمين.. فالصهاينة لن يحترموا إلا محاوراً يتنكّب البندقية.

والأمل معقود أخيراً على الأحزاب الوطنية، واليسارية، في كل البلدان العربية، كي توحد جهودها لقيادة نضال الجماهير العربية في مسعى لعودة الروح..

لا لليأس.. فهذا ما يبتغيه الصهاينة! لن نيأس من قيامة ما.. من هبّة ما.. من مستقبل يضيء لأجيالنا.. ويعتّم نهارات أعدائهم، القدس عاصمة لفلسطين. 

العدد 1107 - 22/5/2024