بعد (الأستانا).. هل تثمر مساعي السلام؟

البيان الختامي الذي أصدرته الدول الثلاث الداعية والضامنة لتنفيذ مقررات لقاء الأستانا، كان مقتضباً، لكنه أكد أن لا حل عسكرياً للأزمة في سورية، وحدد مرجعيات العملية السلمية الواردة في قرار مجلس الأمن 2254 الذي يستند أيضاً على جنيف 1 وفيينا 1 وفيينا 2.

ردود الأفعال الصادرة بعد صدور البيان الختامي تراوحت بين التأييد والأمل والحذر، الأمريكيون اعتبروا اللقاء مسعى سلمياً من الضروري تشجيعه والاستمرار به، والأوربيون رحبوا بالتوافق بين الحاضرين على رفض الحل العسكري لأزمة السوريين.. أما المواطنون السوريون الذين نُكبوا خلال سنوات ست بأزمة عميقة، وحرب ظالمة شنّها عتاة الإرهابيين على بلادهم، بدعم من التحالف الدولي المعادي لسورية، فيتنازعهم بعد صدور البيان الثلاثي شعوران مختلفان.

فهم كانوا ومازالوا يؤيدون الجهود الداخلية والدولية لحل أزمتهم بالطرق السياسية وعبر حوار تشارك فيه جميع القوى السياسية الوطنية، وممثلو المكونات الاجتماعية والدينية والاثنية، ومن جهة ثانية قلقون على وحدة بلادهم وسيادتها على كل شبر من ترابها، ومصرّون على الوقوف خلف جيشهم الوطني في استمرار تصديه للإرهاب حتى طرد جميع الإرهابيين خارج التراب السوري.

قلق السوريين تبرره صعوبة الحل السلمي النهائي لأزمتهم دون القضاء على الإرهاب الذي مازال يسيطر على أجزاء من وطنهم.. صحيح أن بسالة الجيش السوري وصمود الشعب من خلفه أنجزت الكثير في هذا السياق، وكانت استعادة حلب أبرزها، لكن أجزاء أخرى ماتزال تعاني سيطرة داعش والنصرة، وهذا مايشكل كبحاً لجميع المساعي السلمية..

لذلك كانت مطالبة الحكومة السورية ممثلة بوفدها في لقاء الأستانا محقة تماماً بضرورة تنفيذ القرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن، والتي دعت المجتمع الدولي بأسره إلى مكافحة الإرهاب، وبذل الجهود لدعم سورية في مواجهتها لأشرس غزو إرهابي عرفته البشرية.

كذلك فإن السوريين، ورغم تفاؤلهم بأي جهد سلمي، يتخوفون من المناورة والمخاتلة التي طبعت خلال السنوات الماضية السلوك السياسي لإدارة أوباما، وهم ليسوا واثقين من تغيّر هذا السلوك مع قدوم الإدارة الجديدة، رغم تصريحات الرئيس ترامب المعادية للإرهاب، ودعوته لتضافر الجهود الدولية للقضاء على داعش، والإجراءات (الملتبسة) التي قررها لحماية الولايات المتحدة من خطر الإرهاب.

بعد أستانا دعت روسيا منصات المعارضة المختلفة إلى لقاء في موسكو، ولم يختلف مضمون هذا الاجتماع عن جوهر ما جاء في بيان أستانا، وخاصة استمرار بذل الجهود السلمية ومواجهة الإرهاب، وأهمية توافق السوريين على نبذ الحلول العسكرية.

في أي مسعى سلمي لحل أزمة السوريين، ومواجهتهم للغزو الإرهابي لبلادهم- حسب اعتقادنا- يجب الحفاظ على خيارات الشعب السوري التي أقرتها القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة السورية، وبضمنها القرار 2254 والتي يأتي في مقدمتها حقه في اختيار نظامه السياسي ودستوره وقوانينه وقادته، والتمسك بوحدة بلاده وسيادتها على كل شبر من أرضها الخالية تماماً من كل الإرهابيين.

لقاء جنيف آتٍ في نهاية شهر شباط، وديمستورا بعد ترحيبه بما جرى في الأستانا، أعلن عزمه على بذل الجهود كي يكون لقاء جنيف إضافة جدية للعملية السلمية في سورية.

بعد الأستانا هل تثمر مساعي السلام؟ من يُغامر ويجيب كضربة سيف قاطع؟

لكن شعبنا المصمم على بناء مستقبله الديمقراطي.. العلماني.. التقدمي، بحاجة إلى السلام في بلده الخالي من الإرهابيين. 

العدد 1105 - 01/5/2024