الفلسطينيون والأرض

 خضعت أراضي فلسطين بمعظمها للسلطان العثماني باعتباره المالك الحقيقي لها من الناحية القانونية، وسميت تلك الأراضي (الأميرية)، وقد جرى التصرف بها على أساس حق الانتفاع المتوارث بحيث يفقد المنتفع نظرياً لحيازته في حالة إهمال الأرض والتخلف عن سداد الضرائب.

وفي عام 1858 صدر قانون الأراضي العثماني الذي نص على تسجيل كل قطعة في الأرض لمالك خاص في كل أنحاء الإمبراطورية واستصدار سندات التمليك (الطابو)، هذا القانون أدى إلى ظهور الإقطاع وملاك الأراضي الكبار في فلسطين الذين تمكنوا من وضع اليد وتسجيل أراضي واسعة، سواء كانت لهم أو تنازل عنها الفلاحون الصغار خشية التجنيد بالجيش أو دفع الضرائب.

في عام 1869 بيعت الصفقة الأولى وتضمنت كل أراضي الناصرة وقراها والسهل والوعر وتوزع الشراء كل من حبيب البسترس ونقولا سرسق والتويني، وكلهم من تجار بيروت وأغنيائها.

وفي عام 1882 باع العثمانيون لعائلة سرسق، صاحب البنك في بيروت، الصفقة الثانية وتضمنت مناطق وقرى المجدل، الهريج، الحارثية، الياخورة، الحزيبة وهي من أفضل أراضي فلسطين، وأصبح يملك 20 قرية.

آلت جميع الأراضي التي كانت بحوزة الحكومة العثمانية إلى إدارة الانتداب البريطاني على فلسطين، وعندما عيّن هربرت صموئيل أول مندوب سامي على فلسطين منح الصهاينة 175 ألف دونم من أخصب أراضي الدولة قرب قيسارية وعتليت على الساحل بين حيفا ويافا، أتبعها بعد ذلك بدفعة ثانية مقدارها 75 ألف دونم على البحر الميت، وتكررت هباته الشخصية من الأراضي الساحلية الخصبة حتى بلغ مجموع ما مُنح للصهاينة أو نقل إليهم من أراضي الدولة نحو مليون وربع مليون من الدونمات، أي 58% من مجموع الأراضي التي يملكها الصهاينة عام 1948.

وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الانتداب سنت قانوناً للأراضي اشتمل على البنود التالية:

1- يحرم على الملاكين الذين لا يسكنون فلسطين استغلال أراضيهم.

وكانت هناك إقطاعات واسعة تملكها عائلات لبنانية وسورية كانت من أجود الأراضي التي استهدفها القانون.

2- تحول الأراضي الأميرية (المشاع) ومساحتها قرابة 12 مليون دونم إلى أرض ملكية تخضع لتصرف حكومة الانتداب.

والهدف من ذلك إتاحة المجال للتسلل الصهيوني إليها.

3- يحق لحكومة الانتداب نزع ملكية الأرض.

وبموجب هذا الحق تمكنت الصهيونية من الاستيلاء على أراضٍ هامة بمساعدة السلطة الحاكمة التي مارست هذا الحق لتشديد الضغط على أصحاب الأرض العرب.

4- تخضع الأرض البور غير المستغلة لما تقتضيه المصلحة التي تحددها إدارة الانتداب.

وقد استغل هذا النص للاستيلاء على مساحات كبيرة من الأرض وإعطائها للصهاينة بحجة أنها لم تكن تُستغل.

وذهبت سلطات الانتداب إلى أبعد من ذلك، فعملت على وضع الفلاحين العرب أصحاب الأرض في ظروف سيئة، بقصد إرغامهم على بيع أراضيهم.

ومن الأعمال التي مارستها السلطة بهذا الصدد:

-إجبار الفلاحين العرب على دفع الضرائب المتراكمة عليهم دفعة واحدة، رغم أن الإنتاج الزراعي لم يكن في مستوى تحمّل هذه الأعباء.

– حرمان القرى العربية من التعليم والرعاية الصحية بقصد إبقاء الفلاحين العرب وراء أسوار التخلف.

– حرمان الفلاحين العرب من مقومات الإنتاج الرئيسية، كترك القرى العربية دون طرق معبدة، مما أدى إلى عزلها عن المدن وتعريض الإنتاج الزراعي فيها للكساد بسبب عجز الفلاحين عن إيصال إنتاجهم إلى الأسواق.

وأهم المناطق التي شهدت قيام بعض الأسر الإقطاعية غير الفلسطينية ببيع ممتلكاتها فيها للصهاينة والتمهيد لطرد سكانها العرب منها:

1 سهل مرج ابن عامر، فقد منح السلطان العثماني صيارفة لبنانيين ما مساحته 230 ألف دونم، وفي عام 1869 باعت الحكومة العثمانية معظم ممتلكاتها في سهل مرج ابن عامر، وفي عام 1872 باعت أيضاً إلى إقطاعيين في لبنان قرى هي المجدل والحارثية والياجورة وغيرها، وقام هؤلاء التجار ببيع هذه الأرض إلى الصهاينة ما مقداره 200 ألف دونم بين عامي 1921- 1925.

2 سهل الحولة: تقدر مساحة هذه المنطقة بنحو 165 ألف دونم، منحت الحكومة العثمانية إحدى الأسر اللبنانية امتيازاً لاستصلاح ما مساحته 55 ألف دونم، وعندما عجزت هذه الأسرة عن تنفيذ الامتياز باعته للصهاينة، ومن جهة ثانية باع إقطاعيون لبنانيون آخرون للصهاينة نحو 65 ألف دونم من أراضي السهل.

3- سهل عكا: كانت أسرتان لبنانيتان تمتلكان مساحة كبيرة من أراضي عكا، وقد بيعت هذه المساحة الواسعة الممتدة ما بين عكا شمالاً وحيفا جنوباً للصهاينة.

4- القسم الساحلي الشمالي تمتلكه أسرة إقطاعية لبنانية (وادي الحوارث) وامتلكت أسرة لبنانية إقطاعية أخرى ما مساحته 4 آلاف دونم في وادي القباني، ثم بيعها للصهاينة، وقد استطاع الصهاينة امتلاك الأراضي التالية:

1- أراضٍ حصل عليها الصهاينة في ظل الحكم العثماني 650 ألف دونم.

2- أراضٍ مشاع منحتها حكومة الانتداب لليهود 500 ألف دونم.

3- أراضٍ حصل عليها الصهاينة في مرج ابن عامر 400 ألف دونم.

4- أراضٍ حصل عليها الصهاينة في سهل الحولة 120 ألف دونم.

5- أراضٍ حصل عليها الصهاينة في وادي الحوارث 32 ألف دونم.

6- أراضٍ حصل عليها الصهاينة في مناطق مختلفة 28 ألف دونم.

7- أراضٍ باعتها عائلات ثلاث إقطاعية فلسطينية 625 ألف دونم.

ولابد من تسجيل بعض المواقف المشرفة لعرب فلسطين الذين عارضوا الصفقات المشبوهة لبيع الأراضي، فقد كان بعض الميسورين من الفلاحين يشترون الأراضي التي يصل إلى علمهم أن أصحابها من الفلاحين الفقراء ومن إقطاعيين يزمعون بيعها إلى جمعيات فلاحية.

كما أن المجلس الإسلامي الأعلى تدخل لشراء بعض الأراضي من أصحابها خشية تسربها إلى الصهاينة، وبالرغم من ثقل المهمة وصعوبتها، فقد اشتريت في بعض الأماكن بأكملها، وكذلك الأرض المشاع في قرى الطيبة وعتيل والطيرة، ونهض صندوق الأمة أيضاً، فاشترى بعض الأراضي من الذين أثقلهم الدين ودخل في قضايا كثيرة حتى انتشل أراضي البطيحة وعرقل بيعها.

***********

 

المصادر: الموسوعة الفلسطينية (الجزء الثالث).

العدد 1105 - 01/5/2024