الدكتور ممدوح سليمان..خاتمتها هنا في الأرض الطيبة!

 لم يعد الموت جديداً على السوريين..

منذ أكثر من خمس سنوات تغيّر كل شيء في حياتهم، تغيّرت الابتسامة والضحكة والفسحة والإنصات إلى الحكاية، فثمة شهداء يتساقطون كل صباح، فيزهرون في حقول الوطن وبساتينه وجبهاته.. يزهرون كل مساء في مدارسه وشوارعه ومستشفياته، وثمة ضحايا يتساقطون تحت وهج الحرب والإرهاب والموت الرابض عند كل منعطف، فيمضون في رحلة أخرى وعالم يجهلونه ونجهله وليس فيه سوى رحمة الله!

أما الدكتور ممدوح سليمان، زميلنا في إذاعة دمشق منذ ثلاثين عاماً، فقد أتعبته الحرب وهواجسها وقصصها وتوقعاتها ونتائجها، أتعبه الفراق عن أسرته الصغيرة التي دفعتها الحرب في ضراوة اشتعالها إلى الهجرة بعيداً عن الوطن.. قال، والغصة في حلقه:

– اشتقت إليهم.. ألا يكفي سنتان؟

سنتان مرّتا على هجرة أسرته: زوجته وابنه وابنته..

ملايين السوريين دفعتهم الحرب للهجرة.. ملايين السوريين دفعهم الخوف إلى جمع أشيائهم والرحيل، والدكتور ممدوح اتخذ قراراً أن يبقى هنا في الأرض الطيبة، فهل هناك أجمل وأقدس من الأرض التي ولدت فيها، والتي أسميتها وطنك؟

– حتى لو بقيت وحدي، لن أسافر من سورية..

بعد سنتين، قال: لابد أن أراهم. وشدّ الرحال.. كان يمكن أن يسافر بين لحظة وأخرى ليراهم ويعود، وكان موعده هذه المرة مع الأرض الطيبة، فالأرض الطيبة هي التي منعته من السفر..

قالت له الأرض الطيبة:

– لن تذهب.. فهنا سيكون التراب لك حضناً أطهر من كل العواصم!

تدهور وضعه الصحي، ودخل المستشفى للعلاج من أزمة داهمته في القلب، وكان القرار إجراء عملية فورية في الشرايين.

ضحك الدكتور ممدوح سليمان.. استرجع كل بيوت الشعر التي يحفظها. ابتسم أمام القرار الصعب. وكأنه فهم الرسالة:

– هذا يعني أنني لن أسافر.. لقد حلّ الموعد..

توفي الدكتور ممدوح سليمان صباح يوم الجمعة، وكان قد بقي للعيد أربعة أيام.. وكانت قد بقيت مسافة قصيرة أخرى ليرى أسرته: زوجته وأطفاله الذين سافروا، وعلى حين غرة.. أطبق عينيه!

لم يكن يريد لهاتين العينين أن تغمضا بعيداً عن الأرض الطيبة.. الأرض الطيبة سورية.. لذلك كانت خاتمتها هنا في تراب الأرض الطيبة!

العدد 1107 - 22/5/2024