ساقية..

لغة الماء ورقصته الجبلية خرقت الجبل من أعماقه، أنت تتغنين وتتمايلين وتضحكين في السير الأبدي، سمعت كل الوشوشات اللامتناهية في الطراوة والنعومة، خلعت التنبه إلا لك ، سرت وأنت تقصِّين حكاية الصبيَّة التي خلعت سوارها لتغتسل واختطفه الدوري، تحكين الحكاية بألف لون فتتجمع الفراشات والسنافر والحباحب النهارية غائصات في أحلام لاحد لها.

أمشي ماهذا؟

هل هو عرس للفراشات، العشرات منهن يتطايرن ويتقافزن في حنين وشفافية، هل هي أغنية الخريف المبكرة؟

رقصة فوقك ورقصة إلى جانبك، ورقصة على حافتك تماماً من فراشة مرحة وأنت تصفقين لهن في دلال، وهذا صوت راع بعيد يصرخ: ياساقية ياساقية قفي قليلاً فالقطيع يقترب، ونايه يصدح في الأجواء، وأنت تقفين برهة تعانقين الصدى، وأراك تتسمرين منتظرة قدوم القطيع. وأثناء ذلك تطلقين أغنية الغروب، الأغنية العصرية الرائعة ترا تراترا  للا للا، أيتها الحاصدة الجميلة، أيها الكف المزنر بالسنابل

إملأ الأرض قمحاً وفرحاً

ترا للا ترا للا للا

 أيها الشاب الأسمر

تعال اشرب من مائي

أيها الحالم غنٍّ معي

أنشودة المساء ملونة بأكوام القمح

 وشاقة المدى بلحنها

ترا للا ترا للا ترا اللا ترا اللا

غنِّ معي للكف القاسية

والرقيقة مثلما الندى

وهاأنت تدخلين في لفتة الغيمة رشقة دائمة تتداخل في موالك الخريفي الأشياء وتتعامد الأسماء وفي كل اسم لون خاص لم يحلم به قوس قزح ربيعي.

يمد الخريف إليك يداً مندَّاة برقة اللغة الصباحية، تتواصلين معه في رقصة لاتنتهي من الفرح وأنادي ترد الكركرة،

أنادي ترد بوشوشة تغمرني

ياساقية ياساقية تنسجين الحلم في الزمن أساطير جديدة وقديمة، ترسلين الشقائق إلى المرتسمات المدهشة، تدهشين وتُدهشين وهكذا أجتازك اليوم في أيلول سارحاً في مراميك، أغرق في بحرانك الساجي، أخترق جدارك المسور، أتسور فيك وأسورك وأمضي في دربك المديد حتى الانعطاف إلى اللحن الفصلي التالي.

وأسمع الأغنية المائية المرافقة، ترفع التراب، تعري الصخرة وتغسلها ترتفع ارتفاع الصقور العالية وحتى سهيل الضاحك وفي هذه الإشراقة كنت تنسجين ثوبك بإبرة الشوق الشفافة، وأنا أخطر في دروبك لمحت من البعيد في أعماقك رؤيا اللحن متناهياً بهمس زمنك حالاًّ فيّ في الأرض، وكانت ابتسامتك تأخذني على طريق الإنسان حيث تتخمر آلاف الرؤى المرتسمة منذ قرون وقرون في درب الحب والفرح واللقاء.

تكركر أعماقك، تنثر ألوان الفرح على الأطيار وعلى الشجيرات المحيطة.

أخيراً تطلقين أغنيتك المغردة وتسيرين.

العدد 1105 - 01/5/2024