الإعمار والتدريب …

الإعمار والتدريب
#العدد823 #بقلم_فؤاد_اللحام #جريدة_النور

عملية إعادة الإعمار أو متابعة الإعمار في سورية – أياً كانت التسمية التي يمكن أو يفضّل أن تطلق على هذه العملية – أصبحت الشغل الشاغل وحديث الساعة على كل المستويات بين مختلف الأطراف محلياً وإقليمياً ودولياً، بحيث أصبحت لا تقتصر – كما ذكرنا سابقاً- على السوريين فقط، بل شمل الاهتمام بها الأصدقاء والأعداء وحتى (الأعدقاء) من دول الجوار وما بعدها، والتي يمكن أن تكون من مداخل أو نتائج تسوية الأزمة السورية، خاصة في ظل ضخامة حجم الخسائر وبالتالي ضخامة مجالات المشاريع وفرص العمل المتاحة والتنافس عليها، وخاصة بين أصحاب الأفواه الواسعة و البطون الكبيرة بامتداداتهم المحلية والإقليمية والدولية.
ولأن عملية إعادة الإعمار- كما سبق أن بيّنا في مقال سابق – مهمة سورية أولى بامتياز، فإن وضع رؤية عملية وواقعية لها تشكل أولوية هامة على المستويات الوطنية كافة. وفي الوقت الذي لا يتسع المجال هنا لتناول الموضوع بكامله، لكننا نشير إلى جانب أساسي في عملية إعادة البناء وهو جانب القوى البشرية التي ستتولى هذه المهمة، وخاصة في ظل التأكيد أن هذه المهمة وطنية ويجب أن يقوم بها أبناء الوطن جميعاً، لأنه من غير المقبول أن تتولى هذه العملية عمالة وكوادر أجنبية من إفريقيا أو جنوب آسيا أو غيرها والسوريون يتفرجون.
إعادة الإعمار – فيما يتعلق بالشق الصناعي – تتطلب توفير مستلزمات الإسراع في إعادة تأهيل وتشغيل المنشآت الصناعية المتوقفة، وتشجيع العامل منها حالياً على الاستمرار. وهي تتطلب أيضاً إقامة مشاريع جديدة وتوسيع المنشآت الصناعية القائمة التي تنتج المواد وتقدم الخدمات التي تحتاجها هذه العملية، وهو ما يقودنا إلى جانب التدريب والتأهيل المطلوب، سواء في توفير حاجة المصانع القائمة والقادمة من اليد العاملة اللازمة، وكذلك الأيدي العاملة التي ستقوم بتنفيذ عملية إعادة البناء من مختلف الاختصاصات والمهن.
الأزمة أوجدت حالة غريبة في مجال التشغيل، فالحديث عن ارتفاع نسبة البطالة بشكل متزايد أمر معروف، ونقص اليد العاملة الشابة والمختصة معروف أيضاً. وهناك جهود حكومية وأهلية ومن قبل العديد من المنظمات الدولية العاملة حالياً في سورية تبذل في هذا المجال بشكل خاص، من أجل توفير سبل العيش للمواطنين في مختلف المناطق من خلال التدريب، وتشمل أحياناً التمويل لإقامة مشاريع منزلية أو حرفية أو أخرى متناهية الصغر. وقد حقق قسم من هذه المشاريع قصص نجاح متميزة.
لكن اللافت للنظر – وهذا بيت القصيد – أن هذه الجهود لا تتحقق في معظم الحالات وفق رؤية موحدة ومنظمة تراعي التنسيق والتكامل بين أنشطة مختلف الجهات العامة والأهلية والدولية العاملة في هذا المجال حالياً، ما يؤدي إلى ازدواجية العمل وتوزع الجهود وعدم تناسب المردود مع الأهداف المرجوة من هذا النشاط أو أكثر في حالات كثيرة.
من هنا نعود لنؤكد ضرورة وضع رؤية تربط بين عملية إعادة الإعمار وتوفير احتياجاتها الفورية، على المديين القصير والمتوسط، من اليد العاملة، ولا بد عند القيام بذلك من التركيز على نقطتين أساسيتين؛ الأولى تنسيق جهود الجهات العاملة في هذا المجال (عامة، خاصة، أهلية، منظمات دولية…) على مستوى مراكز التدريب والمدربين والاختصاصات…الخ. والثانية توجيه التدريب نحو النازحين في الداخل، ودعوة المنظمات الدولية العاملة في سورية للتنسيق مع فروعها في الدول المجاورة – لبنان، الأردن، تركيا- على تدريب النازحين الموجودين في المخيمات في تلك البلدان على المهن والاختصاصات التي تتطلبها عملية إعادة البناء حالياً ومستقبلاً، بحيث تكون عملية التدريب هذه مع ما يرافقها من إجراءات مالية ولوجستية عاملاً مساعداً على تشجيع النازحين السوريين ليس للعودة إلى بلادهم وتوفير فرص عمل مناسبة لهم وحسب، بل كذلك تأمين جزء هام من احتياجات هذه العملية من اليد العاملة المختصة، وإفساح المجال لهم للمساهمة في إعادة إعمار البلاد وتحويلها إلى بلد ناهض.

العدد 1104 - 24/4/2024