قمة هلسنكي إقرار أمريكي …

قمة هلسنكي إقرار أمريكي بسقوط التفرّد والأحادية؟
#العدد823 #بقلم_د_صياح_عزام #جريدة_النور

يُقال: إن الرؤساء الأمريكيين كانوا دائماً أقل بريقاً ونجاحاً بأدائهم في معظم القمم التي انعقدت بينهم وبين قادة أو زعماء سوفيات سابقاً.. (كيندي) خسر هيبة أمريكا في قمة في فيينا جمعته مع الرئيس (خروتشوف)، والرئيس (ريغان) كان أقل بريقاً من نظيره غورباتشوف في جنيف، وفي قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب اتضح كما أجمع عليه العديد من المراقبين والمتابعين أن أداء الرئيس بوتين، كان أقوى وأكثر إقناعاً، فقد بدا في اللقاء منتشياً بعد نجاح بلاده في استضافة مونديال عام 2018 ليضيف إلى ذلك نجاحه في الظهور في قمة هلسنكي قوياً وواثقاً من نفسه، ويتمتع بذكاء حاد وبرودة أعصاب، بينما كان موقف الرئيس ترامب أقرب إلى الغموض والتبرير والدفاع والاستماع.
وبالتالي، يمكن القول: إن لقاء هلسنكي كان يمثل اعترافاً أمريكياً بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تقود العالم وحدها كما كان الأمر بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، كما كان يمثل إقراراً بالدور الروسي الصاعد في العالم، وبأن روسيا هي مفتاح الحل لمعظم الأزمات في العالم، في سورية وإيران وأفغانستان وليبيا وكوريا الديمقراطية وغيرها من البلدان.
أما من حيث الموضوعات التي نوقشت في القمة وما اتفق عليه بين الجانبين فيمكن إيجازه على النحو التالي:
– كان هناك توافق على مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل، ولكن من خلال العودة إلى اتفاق فك الاشتباك الموقّع بين سورية والكيان الصهيوني عام 1974، مع إصرار روسي على ربط ذلك بقرار مجلس الأمن، في مواجهة واضحة لمفهوم أمريكي- إسرائيلي يربط بين فك الاشتباك المذكور، وإتاحة المجال لضم الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل، ومعروف أن قرار مجلس الأمن الصادر بشأن الجولان يعتبره أرضاً سورية محتلة، ولا يعترف المجتمع الدولي بضم إسرائيل له، بموجب قرار لاحق صادر أيضاً من مجلس الأمن الدولي، وبمعنى أدق وأكثر وضوحاً إن موافقة روسيا على حفظ أمن إسرائيل لم تكن على حساب سورية وعلى حساب قضية الجولان المحتل.
– نجح الرئيس الروسي في تفادي أي مساومة على جزيرة القرم التي استعادتها روسيا، في متابعة المفاوضات مع كوريا الديمقراطية.
– كان الموضوع السوري حاضراً بقوة في اللقاء، ذلك أن التفاهمات بين الجانبين الأمريكي والروسي أخذت طريقها للترجمة على الأرض بعد انعقاد القمة بشكل متسارع، علماً بأنها بدأت بالتنفيذ قبل انعقادها في أثناء الاتصالات التمهيدية للقمة.
– أظهرت القمة في هلسنكي أن الرئيس الروسي (فلادييمير بوتين) صاحب دور عسكري بارز، وأنه أيضاً لاعب سياسي كبير في المنطقة والعالم، وأنه رجل دولة من الطراز الرفيع، يبقي أوراقه قريبة إلى صدره بانتظار استخدامها في اللحظة المناسبة، كما أنه لا يؤمن بمفهوم المقايضات، ويصعب عليه التفريط بما لديه من أوراق قبل أن يتأكد من الحصول على الثمن المناسب، هذا إلى جانب إيمانه بأن المسائل المهمة والشائكة لا تحسم بسرعة أو في قمة واحدة.
وعلى سبيل المثال استطاع تثبيت تحالفه مع إيران، ولم يقبل بإقصائها وتقليص دورها في أزمات المنطقة إلى حد الخنق كما أراد ترامب، انطلاقاً من أن الخنق والإقصاء الكلي يسببان الانفجار، ولذلك فقد أبقى بوتين الباب مفتوحاً أمام إمكانية إعادة النظر في الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه الولايات المتحدة بالضد من إرادة بقية الأطراف الموقعة عليه، وهذا يعني أن الرئيس بوتين يراهن على عمق التحالف بين بلاده وإيران، خاصة أن جدران العلاقات بين روسيا والغرب عموماً والولايات المتحدة، خاصة، ليست صلبة ولا ثابتة، كما أكدت تطورات الأحداث منذ بدء استعادة روسيا لدورها العالمي حتى الآن.
على أي حال يمكن القول إن هذه القمة ستسهم في تقريب وجهات النظر بين روسيا والولايات المتحدة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على إيجاد حلول لعدة مسائل خاصة منها المسائل الشائكة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك جهات أمريكية غير راضية عن أي تقارب من هذا النوع، وقد اتهمت كما سمعنا بعد قمة هلسنكي، اتهمت الرئيس ترامب بالضعف وتقديم التنازلات أمام الرئيس بوتين، ورغم ذلك فإن الرئيس ترامب وجه دعوة لنظيره الروسي لزيارة واشنطن للاستمرار في البحث والتشاور حول مختلف القضايا.

العدد 1104 - 24/4/2024