الاعتذارات الكاذبة

انشغل العالم طيلة الأسبوعين الماضيين بالحقائق والوقائع التي أوردها تقرير (شيلكوت) حول الحرب الإجرامية التي شنّها الجيشان الأمريكي والبريطاني ضد الشعب العراقي عام ،2003 والتي راح ضحيتها أكثر من مليون مواطن عراقي، بدواعٍ كاذبة قوامها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وقد ثبت، من خلال التقرير المذكور نفسه، ومن عشرات الأدلة الأخرى، كذب هذه الادعاءات.

لقد استغرق إعداد هذا التقرير حوالي سبع سنوات واحتوى على شهادات مئات الأشخاص في بلدان مختلفة في العالم، وعشرات الدول والمؤسسات المعنية، وخضع لتجاذبات وضغوط شتى لكيلا يورد الحقائق التي تؤدي إلى نهايات سياسية تؤثر على السياسات العالمية وعلى الأوضاع الداخلية لكل من الدول المتهمة بالمسؤولية الكاملة عن شن هذه الحرب التي دمرت بلداً بكامله، وأسهمت في تغيير الخريطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وفي تكريس العدوان المسلح وسيلةً رئيسية في فرض الإرادات الاستعمارية على الشعوب، بقوة الحديد والنار.

لقد جهد التقرير في محصلته النهائية في إبعاد تهمة العدوان عن صانعي هذه المجزرة البشرية، خضوعاً لتأثيرات القوى المهيمنة في أمريكا وبريطانيا، ولطمس الدور الإجرامي الذي لعبه آنذاك كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، ولكن الفتات في ما ذكره التقرير عن دور هذين المسؤولَين المجرمَين (بوش وبلير) كان كافياً لتحميلهما مسؤولية شنّ هذه الحرب.

لقد هبّت في العالم بكامله، آنذاك، عواصف من الغضب والاستنكار ضد تلك الجريمة الشنعاء، التي كانت في جوهرها غضباً واستنكاراً للسياسات الإمبريالية في العالم القائمة لا على التآمر السياسي والاقتصادي فقط، بل على استخدام العدوان المسلح ضد الشعوب التي تريد صنع قرارها الوطني المستقل.

ومما أثار حفيظة الشعوب والكثير من الأوساط حتى داخل أمريكا وبريطانيا، تلك الاعتذارات المبهمة والمضللة التي صدرت عن بوش وبلير، والتي تحاول ذرّ الرماد في العيون وإبعاد تهمة القتل والتسبب بالجريمة عنهما، والاكتفاء بتحمّل مسؤولية (سوء تقدير الوقت) وارتكاب أخطاء هنا وهناك في مجال التحضير للحرب وغير ذلك من الدفوعات السخيفة، التي لا يصدقها حتى البسطاء من الناس، لتبقى الحقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن ما جرى هو جريمة قتل شعب بأسره، ليس لها أي تبرير، وهذه الجريمة لن تضيف إلى التاريخ شيئاً جديداً سوى أن الإمبريالية العالمية ليست إلا عدوّاً يمكن أن يستعمل كل الوسائل، وبضمنها الوسائل العسكرية والأسلحة المحرمة دولياً، لإنفاذ مصالحها، وحريّ بالقيادات والحركات التحررية في العالم أن يبقى ماثلاً في أذهانها أن ما يجري في سورية والعراق واليمن وليبيا في هذه الأيام ليس إلا تكراراً للتجربة المرّة، تجربة تدمير العراق وقتل شعبه.

العدد 1105 - 01/5/2024