الحروب اغتيال لأمان الأطفال ومستقبل المجتمعات

إيمان أحمد ونوس:

إن الحرب الدائرة اليوم في غزة ولبنان، وغيرها من الحروب التي شهدتها منطقتنا العربية، خاصة في العقد الأخير، هي حروب همجية كان الأطفال ضحاياها الأضعف والأكثر حضوراً في مشهد الموت اليومي.

ولكن رغم هذا، ورغم أن الموت يُشكّل فاجعة كبرى، إلاّ أن هناك ما هو أشدُّ منه فتكاً وتدميراً، ألا وهو التدمير الذي يفتك بالتوازن النفسي للجميع وخاصّة الأطفال. فقد يكون الزمن كفيلاً بتجاوز ما خلفته هذه الحروب من دمار للبُنى التحتية وإعادة إعمارها وتشييدها، غير أن ما لا يمكن للزمن أن يمحوه هو الآثار النفسية التي تشبّثت في لا وعي كلّ من عايشها من خلال الرعب والقلق والفقدان.

تقول د. داليا الشيمي (مختصة نفسية) في بحث لها عن  تأثير إعلام الحروب على الأطفال1:

(تؤثّر متابعة الطفل لما يحدث أثناء الحروب والكوارث على سلامته النفسية، وترجع خصوصية الأطفال في تلك الظروف إلى:

1- ضعف إدراك الطفل لما يحدث، ذلك أن مفاهيمه لم تتضمن بعد التضحية بالروح من أجل الوطن أو الدين، وهذا لا يظهر إلاّ بعد التاسعة من العمر.

2- عدم امتلاك الطفل القدرة على التعبير عن خوفه وقلقه والرعب الذي يتملّكه سوى بالبكاء).

ويؤكّد المختصون في علم النفس أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر لاحقاً من مشكلات وعقد نفسية لدى أجيال كاملة من الأطفال يتوقف مدى خطورتها على مدى استيعاب الأهل وكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرّت به.

الدكتورة نعمة البدراوي (مختصة بالطب النفسي) تقول 2:

(تُعتبر الصدمات التي يتعرّض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى ممّا قد يتعرّض له من جرّاء الكوارث الطبيعية، وأكثر رسوخاً بالذاكرة، ويزداد الأمر صعوبة إذا تكرّرت هذه الصدمات لتتراكم في فترات متقاربة. وتُعيق الكشف عن هذه الحالات لدى الأطفال صعوبة تعبيرهم عن شعورهم أو الحالة النفسية التي يمرّون بها بينما يختزلها العقل، ما يؤدي إلى مشكلات نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكّن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها.

من هنا نجد أن الحروب تخلّف لدى الأطفال آثاراً آنية وقريبة المدى مثل:
سوء التغذية، الأمراض المُتعدّدة، التشرّد، اليتم، الإرغام على ارتكاب أعمال العنف أو الاعتداءات الجنسية، الاضطراب في التربية والتعليم.
وقد يُصاحب هذه الحالات نوع من الفوبيا المُزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي تَرافق وجودها مع وقوع الحدث مثل الجنود، صفارات الإنذار، الأصوات المرتفعة، الطائرات. وفي بعض الأحيان يعبّر الطفل عن خوفه بالبكاء أو العنف أو الغضب والصراخ، أو الانزواء في حالة من الاكتئاب الشديد، إلى جانب الأعراض المرضية مثل الصداع، المغص، صعوبة في التنفس، التقيؤ، التبول اللاإرادي، انعدام الشهية للطعام، قلّة النوم، الكوابيس، آلام وهمية في حال مشاهدته لأشخاص يتألمون أو يتعرّضون للتعذيب، أو عند مشاهدة الطفل لحالات وفاة لأشخاص مُقربين منه أو جثث مشوّهة، أو حالة عجز لدى مصادر القوة بالنسبة له مثل الأب والأم، إذْ يُصاب عندئذٍ بصدمة عصبية قد تؤثّر على قدراته العقلية.

أما الآثار بعيدة المدى فغالباً ما تكون على صورة مشاعر يختزنها الطفل في لا وعيه تظهر أثناء اللعب أو الرسم، فنلاحظ أنه يرسم مشاهد من الحرب كأشخاص يتقاتلون أو يتعرّضون للموت والإصابات، وأدوات عنيفة أو طائرات مقاتلة وقنابل ومنازل تحترق، أو مخيمات، إضافة إلى مشاعر الطفل المفعمة بالعنف والكراهية والشك، أو اليأس والقلق المستمر، ومن تلك الآثار أيضاً 3:

1- نوبات من الخوف والفزع.

2- اختلاط المفاهيم بين الصح والخطأ، الحرب والسلام، الجار والعدو.

3- فقدان السلام النفسي والتعرّض لصراعات نفسية داخلية وما ينشأ عنها من فقدان الثقة بالنفس.

4- تقهقر فيما كان قد اكتُسِبَ بفعل النمو مثل الرجوع إلى التبول اللاإرادي، مص الأصابع، التلعثم وسواها من تشوّهات سلوكية.

5- الالتصاق الدائم بالوالدين، أو المسؤولين عن رعايته.

6- الانزواء وعدم الرغبة في التواصل.

7- السلوك العدواني تجاه الأشخاص أو الأشياء أو حتى تجاه الذات.

8- ضعف التركيز وتشتّت الانتباه حيث الشرود في ما حدث ومحاولة فهمه.

9- اضطراب علاقته بالسلطة وممثليها من الأسرة والمعلمين، ويظهر هذا الاضطراب إمّا في الانصياع الزائد خوفاً من العقاب وفقدان التواصل معهم الذي يؤمّنه في الفترة الحالية، أو الرفض التّام تعبيراً عمّا يُعانيه داخلياً.

10- تغيّر بعض القيم الاجتماعية عند الأطفال مثل قيمة الصدق والأمانة، والثقة بالنفس، وقيمة المبادئ والتعاون، وقيمة الإيثار والتضحية في سبيل الآخرين.

إن ما يزيد الوضع مأساوية في مجتمعاتنا في مثل هذه الظروف أنها مازالت مجتمعات لا تُعنى كثيراً لا بالحالة النفسية للمتضررين من الحرب لا على مستوى الحكومات، ولا على مستوى الأهل،، ولا حتى بالرعاية النفسية لهم إن كان أثناء اندلاع الحرب أو بعد انتهائها لاسيما للأطفال باعتبارهم الأكثر تضرّراً، وهذا يؤدي لوجود أجيال متلاحقة تحمل العديد من العُقد النفسية التي تتفشّى لدى أفراد المجتمع، فهو يعيش شروخاً مُتعدّدة تبعاً لمدى تأثير تلك الأزمات على أفراده من جهة، ومن جهة أخرى يُصبح مجتمعاً متخلفاً على المستوى الاجتماعي والعلمي من خلال قصور أفراده المتقوقعين داخل شرانق تلك العُقد، وبالتالي التخلّف في التعاطي مع مستويات التطور والارتقاء.

إزاء هذا الوضع المتردي والمرعب، وما يُعانيه المجتمع السوري، وكذلك اللبناني والفلسطيني، نجد أنه لزاماً على الحكومات من جهة، وعلى مؤسسات المجتمع المدني بتنوعاته المختلفة من جهة أخرى، أن يقوموا بالبحث جديّاً فيما خلّفته وستُخلّفه لاحقاً هذه الحرب من خلال إيجاد مراكز رعاية نفسية واجتماعية للمتضررين منها وخاصّة الأطفال، إضافة إلى إيجاد مراكز بحوث تُعنى بالدراسات الاجتماعية والنفسية التي عليها أن ترصد الواقع كما هو، بحيث تجد له العلاج الناجع من أجل محاولة تخطي أزمتنا بأقلّ الكوارث والأخطار الممكنة.

وهنا أتساءل: أما حان الوقت كي يعي المجتمع الدولي المخاطر الفظيعة التي يتعرّض لها الأطفال في بلدان الحروب، ويسعى لوقفها إكراماً لهم، ذلك أن تلك الحروب دائما يصنعها الكبار ويقع ضحيتها الصغار.

مراجع:

1- 3 يوميات أخصائية نفسية- موقع عين على بكره

2- موقع عربيات الإلكتروني

 

العدد 1140 - 22/01/2025