مساومة

محمد أنجيلة:

يؤكد العديد من المثقفين والمتنورين أنه لا ضرورة للاشتباك والصراع، وإثارة التناقضات مع مخلفات من الأفكار والمعتقدات والقناعات الراسخة في مجتمعاتنا، تجذرت وأصبحت حقائق دامغة ولا مجال للتعديل، لأنها عبر هذا التاريخ الطويل، أصبحت ملازمة ويقينية. لذلك علينا احترامها. وعملية التغيير والتنوير تبدأ من هوامش أخرى لا تمس هذه المعتقدات.

شخصياً، لست مع المساومة ولا مع تدوير الزوايا. ومع حرية الرأي والتعبير وحق الاختلاف وإلى أبعد حدّ. للمثقفين دور طليعيّ لا يجوز تبخيسه عبر تليين المطلوب قوله خوفاً من سطوة البعض. فالتصادم مع الواقع ومشتقاته هو مجال رحب للمثقف لا يجوز التهاون فيه، للنهوض والارتقاء الى مناخات أرحب. فنكش الغبار هو مهمة المثقف. ولا يمكن للمثقف التخلي عن سلاحه الفكري الأساسي في مواجهة عشاق التخلف والنبش في الماضي المجيد. هؤلاء الذين يرون أنفسهم وكلاء للسماء لا يتركون فرصة أو مجالاً للهجوم على دعاة التنوير، مستخدمين ما في جعبتهم من مفردات الرجم وتكفير الآخرين الى حد تهديد الحياة والقتل.. والأمثلة كثيرة.

يمكن مراعاة عادات وسلوكيات المجتمع في المناحي الإيجابية، والسكوت عن بعض المفاهيم والقيم السائدة التي تولد انسجاماً مجتمعياً. مع الإقرار بأن التصادم مع الواقع بكل مفرزاته، والاشتباك الفكري بجرأة وحزم هي مهمة المثقف؟

لكننا نرفض الصمت والمداورة والمهادنة، فمهمة المثقف سبر أغوار الجهل والتجهيل، وإزالة الركام، فنكش السكون والاستكانة أمر لابد منه.

العدد 1140 - 22/01/2025