تألق إبداعي مميز في المركز الثقافي الروسي في دمشق
دمشق- (النور)- خاصّ:
- تحولت أمسية الشاعر أيمن أبو الشعر في (البيت الروسي- المركز الثقافي) إلى تظاهرة ثقافية نوعية مشهودة.
فقد عوّدنا الدكتور الشاعر أيمن أبو الشعر أن يزور الوطن قادماً من موسكو في خريف كل عام، وان يقيم أمسية مكثفة لها طابع إبداعي متنوع ثرّ جداً، ولم تكن زيارته إلى الوطن هذ العام وأمسيته بعيدتين عن هذ التقليد، اللهم سوى بزيادة الألق والتنوع الإبداعي الرائع الذي تبدّى في برنامج هذا اللقاء ومضامين الفقرات التي قُدّمت فيه، والتي ابتدأها بتوقيعه كتابه الجديد (مع الكاتب العالمي جينكيز أيتماتوف).
مساهمة قامات كبيرة
كان بديهياً أن تتحلق حول قامة شعرية بحجم أيمن أبو الشعر قامات إبداعية كبيرة مميزة أيضاً ساهمت بتقديم انطباعاتها وعطاءاتها الإبداعية.
اعتلى مسرح المركز الثقافي الروسي نائب مدير المركز الدكتور المهندس علي الأحمد، ورحب بالأدباء المساهمين والحضور المميز بطريقته المحببة، ثم افتتح الدكتور الشاعر ثائر زين الدين الأمسية الندوة منوهاً بالمكانة العالمية التي يحتلها جينكيز أيتماتوف، وأهمية الكتاب الذي ألّفه الشاعر أيمن أبو الشعر عن هذا الكاتب العملاق من خلال معرفته الشخصية به، ونقل انطباعاته عنه، مذكّراً بما قدمه أيمن أبو الشعر للمكتبة العربية من تراجم أو كتاباته عن شخصيات عالمية أخرى أسعدته الظروف بان يكون صديقاً لها كرسول حمزاتوف، ثم قدم الكاتب الأديب الدكتور محمد الحوراني (رئيس اتحاد الكتاب العرب) كلمة مكثفة معمقة عن قيمة الكاتب العالمي جينكيز ايتماتوف والدور الذي يضطلع به الشاعر أيمن أبو الشعر في تقديم ما هو أصيل ومفيد للقارئ العربي، وتميز لغته في الترجمة، واختياراته النوعية التي تشكل إضافات حقيقية للمكتبة العربية. ثم قدم الشاعر الباحث راتب سكر مداخلة قيمة واسعة تحدث فيها عن أهمية الكاتب الذي تحدث عنه الدكتور أيمن بو الشعر وكتابه الجديد (مع الكاتب العالمي جينكيز أيتماتوف) موضحاً أن بيت أيمن أبو الشعر في موسكو كان محطة حقيقية يزوره أكبر الأدباء والمبدعين العرب والروس، وأنه التقى بكثير من الأدباء عند أيمن أبو الشعر، وركز على مدى أهمية اختيارات الشاعر لمن يكتب عنهم بعد تجربة ودية في صداقاته مع كبار الأدباء الذين يتحدث عنهم، ما يعطيه مصداقية جدية لتقديم انطباعاته عن هذه الأسماء الكبيرة، الجدير بالذكر أن الدكتور راتب هو الذي كتب مقدمة هذ الكتاب النوعي الجميل والمفيد.
هدية تونس
قُدّم في هذا اللقاء النوعي حقّاً فيلم وثائقيّ قصير، عُرض على الشاشة الكبيرة للمركز الثقافي الروسي، وقد طرح الفيلم إضافة إلى مضمونه المُميّز جدّاً تساؤلات صامتة عن احتفاء الجماهير في البلدان الأخرى كالسودان واليمن والأرض المحتلة وتونس وغيرها بنتاجات هذا الشاعر سواء في انتشار (كاسيتات) أمسياته وإعادة طباعة كتبه، أو حتى إنتاج فيلم عنه، وإصدار كتاب ضخم عن ذكرياته، كما هو الحال في تونس حيث قامت بهذا العمل مؤسسة الكتيبة الإعلامية التقدمية، وقد لاقى الفيلم الذي يتحدث عن تجربة أيمن أبو الشعر منذ طفولته كأحد أهم رموز الشعراء الملتزمين بهموم الوطن استحساناً كبيراً لدى الجمهور، عبر عنه بتصفيق حار هو نوع من الشكر للصحفية رحاب حوات التي أعدّت الفيلم ومؤسسة الكتيبة التي أنتجته.
جسور فنّية
دأب أيمن أبو الشعر منذ ثلاث سنوت على السير في مشروعه النوعي وإغئائه لتقديم بديل حضاري راقٍ عن الأغاني السوقية الهابطة، وذلك عبر تحويل عدد من قصائده إلى أغانٍ انطلاقاً كما قال بنفسه في الأمسية من مقولة (خير لي أن أشعل شمعة من أن ألعن الظلام ألف مرة)، وهو يعتبر هذه التجربة جسوراً فنية للتواصل مع الجمهور عبر الذائقة الجمالية، وقد عُرضت في هذه الأمسية على الشاشة ثلاث أغانٍ لاقت تفاعلاً جميلاً من الجمهور: أغنيتان بأداء المطربة لانا هابراسو، هما (عودة حبيب) التي تتحدث عن مقاتل ضد الأعداء في الأرض المحتلة يعود إلى حبيبته التي كانت تنتظره للزفاف، يعود شهيداً محمولاً في تابوت، لكنها تؤكد عبر القصيدة انه لم يمت بل تحول إلى فكر خالد، كما تصب الأنهار في البحار فيظنها الناس أنها انتهت، لكنها سرعان ما تعود عبر الغيوم المِخصّبة، ثم أغنية (انهض) وهي مقاطع من قصيدة طويلة تحمل العنوان ذاته، وتتوجه لاستنهاض الناس في كل مكان لمواجهة الغطرسة الأمريكية، ومتابعة النضال إلى أن ترفع راية (الأحرار) فوق مقرّ البيت الأبيض، والأغنيتان من تلحين الفنان معن دوّارة الذي وصفه الشاعر أيمن أبو الشعر بزرياب العرب المعاصر، وقد أدّتهما الفنانة الموهوبة لانا هابراسو بفنية عالية جداً وإحساس وتفاعل بمضامين القصيدتين بشكل رائع، ثم اختتم الفنان معن دوارة هذا الجسر الفني بقصيدة الشعب وهي عمل لافت للنظر من عدة جوانب، أولاً أن الشاعر بدأ كتابتها إبان زيارته لتونس متأثراً بمظاهرة ضخمة مرت قرب الفندق الذي كان ينزل فيه، ثم استكملها في موسكو وعرضت لأول مرة في دمشق، واللافت للنظر أيضاًأانها من تلحين الشاعر أيمن أبو الشعر الذي كانت له تجربة كبيرة في الأغنية السياسية، إذ كان قد أسس فرقة سبارتكوس في الثمانينيات، وقد أدى الأغنية الفنان معن دوارة بحس رائع شدت الجمهور الذي تفاعل معه بشكل كبير جدّاً.
أيمن أبو الشعر يدهش الجمهور كالعادة
ثم صعد الشاعر أيمن أبو الشعر إلى المنصة، ففاجأته الفنانة رنا المحمود بإهدائه لوحة رسمتها عن غربة أيمن أبو الشعر الفريدة، فقد كان يحتضن الوطن أثناء غيابه ويعود سنوياً إلى قلب الوطن ومعاناته في كل خريف، ثم تحدث الشاعر بكثير من الجرأة عن الواقع الذي نعيشه اليوم معتبراً أنَّ بعض الدول العربية إن لم يكن معظمها تنفق مئات مليارات الدولارات على جيوشها، وتزودها بأحسن الأسلحة لا لمقاتلة لعدو، ولا لتحرير الأرض المحتلة بل لقمع شعوبها.. وقدّم عدداً من قصائده الجديدة والقديمة، بما في ذلك ما كتبه قبل أكثر من عشرين سنة، والتي تبدو وكأنها كُتبت أمس أو أمس الأول، ليؤكد بخياره هذ أن الأوضاع ظلت سيئة او غدت أكثر سوءاً، وشدّد على ان المهمة الرئيسية ليست مجرد تغيير الواقع بل تغييره نحو الأفضل، وقدم مقاطع من قصيدة جديدة مطولة بعنوان (هذا أوان الجوع شدّوا الأحزمة) تتحدث عما آلت إليه الأمور التي غدت عبئاً هائلاً على الناس نتيجة الحصار، واستمرار الأزمة الاقتصادية، وتفاقمها وتكالب الغرب والناتو وإسرائيل ضد سورية، مطالباً بأن يؤخذ هذا الوضع بعين الاعتبار وتقدير الصمود الأسطوري لهذا الشعب، نختار منها:
راعٍ يوجِّهُ بالعصا أنّى يشاءُ بهائِمَهْ
وإذا ترعرَعتِ الكِباشُ لطوَّقت أعناقَها أجراسُها
وكلابُهُ حُرّاسُها
شدّت قيوداً مُحكَمة
ولئن تحدّى بعضُها مَن ساسَها
وغدتْ تُعانِدُه وترفعُ راسَها
لرمَى إلى ساحِ التناطِح باسماً أتياسَها
أهدى إلى أعناقِها أمواسَها
واختارَ منها باسماً كبشَ الفِدى
كيما يُزيِّن للضيوفِ ولائِمَه
هذا أوانُ الجوعِ شدّوا الأحزِمَة
قبطانُ هذي الرحلةِ الحمقاءِ ذئبٌ
قلَّدتْهُ النخبةُ العليا بريقَ الأوسِمةْ
عن قتلِ آمالِ الشعوبِ الحالِمة
أنا لا ألومُ الذئبَ إن كانَ الرعاةُ تسدُّ أشداقَ الكلابِ
لكي تُسهِّلَ مَقدَمَهْ
ودليلُنا في الأرضِ بيتٌ أبيضٌ فيهِ الزعيمُ مُسيلَمَةْ
رسموا لنا دربَ الشتاتْ
نمضي كما الزومبيِّ نأكلُ بعضَنا
هم أقنعونا انَّنا بدمائِنا نُحيي صبانا روضَنا
وبأنّنا بطعانِنا سنصونُ حتماً عِرضَنا
أنَّ الخلودَ يجيءُ من بعدِ المماتْ
مرحى إذنْ تباً لقانونِ الحياةْ
وكفى صراخاً أسكِتوا جشعَ البُطونْ
ما هكذا طبع الحصون
الصامدون الرائعون الصامتون
يقاتلون وكالرحى لا يأكلون
الفجر صنو صمودهم ما أعظمَه!
مولاي قل لي كيف يمكن أن يجوع الميتون
راياتُنا أكفاننا فدَعِ القصور من المحيط إلى الخليج
تشري القبور لجيلنا
يذوي صَموتاً وليكن للجوع ألّا يرحمَه
والبرد أن يفري العظام ولحمنا أن يفرُمَهْ
شرفُ الصمودِ بأنْ تدوسَ جباهَنا سحقاً نعالُ الأنظمةْ
… هذا أوان الجوعِ شدّوا الأَحزِمَةْ!