قيمنا ترسمها مفاهيمنا ورؤانا

إيمان أحمد ونوس:

لدى جميع الشعوب قيم أخلاقية مُتعارف عليها، بعضها ثابت لا يتغيّر بتغيّر الأزمان والأجيال كالصدق والأمانة والوفاء مثلاً.

لكن، مع تطور الحضارات بمختلف علومها وفنونها وآدابها، طرأت على بعض القيم ومفاهيمها تغيّرات بدّلت من معناها واتجاهها، فبات السائد سابقاً مُستهجناً اليوم، بل ومرفوضاً كمنع تعليم الفتيات، وخروج المرأة للعمل، فقد تغيّرت نمطية التفكير والتعامل مع تلك القضايا. وهذا تغيير إيجابي يدفع بالمجتمع إلى الارتقاء والتطور، ويُشير بشكل أو بآخر إلى ضرورة عدم التشبّث بكل الموروث القيمي – الاجتماعي. لكن، وبالمقابل طرأت الكثير من المتغيّرات التي أدّت إلى تغييرات متباينة ومتفاوتة ما بين مجتمع وآخر، أو بيئة وأخرى في المجتمع ذاته، وهذا ما لمسناه نهاية الألفية السابقة وبداية الألفية الحالية، فمثلاً بات دخول الفتيات مجال الفن بكل تنوعاته وتفريعاته مقبولاً بل ومُحبّذاً في بعض الأحيان لما يجلبه من شهرة ومال، وهذا تغيير دافعه الأساس مادي أكثر ممّا هو حضاري يتعلق باحترام الفن والموسيقا. وإذا ما أردنا التعمّق أكثر في التباينات الاجتماعية التي أدّت إلى اكتساب الناس قيماً ومفاهيم تناسبهم، نجد أنه في المجتمع ذاته الذي يسمح بدخول الفتاة مجالات الفن المذكورة آنفاً، هناك بيئات انكفأت بفتياتها عن التعليم سعياً وراء الزواج المُبكر، في ردّة رهيبة على الانفتاح في البيئات الأخرى، وخشية وصوله إليها، ممّا أدى إلى تفشي الأميّة والجهل والعنف والتمييز ضدّ الفتيات والنساء في تلك البيئات. في كلتا الحالتين نلمس مدى انكفاء الفتاة عن التعليم، وبالتالي الغوص في وحول التخلّف والأمية والجهل مُجدداً!!

ولا يفوتنا أن الحروب تعمل تلقائياً على تغيير الكثير من القيم التي كانت سائدة قبلاً، فتظهر قيم جديدة تتوافق ونتائج الحروب، وهذا ما عشناه في سورية على مدى سنوات الحرب التي ما زالت مشتعلة في بعض المناطق، فقد تعززت وانتعشت القيم السلبية المنطلقة من أنا متضخمة وفارغة في الوقت نفسه، سعى إليها مهندسو تلك الحرب وتُجّارها، ما دفع بالغالبية إلى تمجيد السطوة والقوة والعنف المُستشري، بل وخدمتهم جميعاً بدافع الخوف والسعي وراء لقمة العيش التي باتت عسيرة وشحيحة لدى شرائح واسعة من المجتمع.

لا شكّ أن تبنّي تلك القيم والمفاهيم قبل الحرب وخلالها سيُفضي لا محالة إلى واقع مأساوي على المستويين الفردي والعام، لأنه سيقود المجتمع إلى تخلّف مادي ومعنوي وأخلاقي يُعيق كل محاولة للبناء والتقدّم والمَدَنية المنشودة.

العدد 1140 - 22/01/2025