إخوة التراب… والنضال… والوطن
عبر تاريخ حزبنا الطويل ناضل ويناضل في سبيل كل القضايا التي تهم الوطن والمواطن، ودائماً كانت أطروحات الحزب في مؤتمراته ووثائقه وصحافته مفصّلة. وكانت القضايا المطروحة ابتداء من النظام الداخلي، وانتهاءً بالقضايا الفكرية، وتبنيه الماركسية اللينينية التي لم يحد عنها قيد أنملة في كل شيء تحت سقف الوطن ولخدمة المواطن.
فمن القضايا المهمة التي تبناها الحزب عبر تاريخه النضالي القضية الكردية في البلاد والدفاع عنها بشكل مستميت. وكانت واضحة خاصة في المؤتمر الثامن، وكانت فكرة حق تقرير المصير تحت سقف الوطن الواحد والدفاع عن إلغاء قانون الإحصاء وإعادة الجنسية للمواطنين الأكراد التي سحبت منهم سنة 1963 وإعطائهم الحقوق الثقافية واللغة، وأيضاً في بعض الأحيان فيما يخص تعريب أسماء القرى والمناطق الكردية. وكانت مسألة المواطنة ومفهومها عن القضية الكردية من خلال أدبيات الحزب تأخذ صفة التلونات والنسيج السوري تحت راية الوطن الواحد، وأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن. وكانت الحوارات واللقاءات مع الأحزاب والقوى الكردية عبر تاريخ صلاتنا السياسية ضمن هذا المنحى دائمة، وبقيت الحال هكذا فترات طويلة.
وبعد أحداث 2004 في الجزيرة وحلب ودمشق وعفرين، عبّر الحزب في جريدته وفي عدة ندوات في حلب والجزيرة وعفرين عن ترسيخ كل تلك الأوليات والحوارات، والدفاع عن حقوق الأقليات الموجودة في البلاد، والأكراد على رأسهم لأنها ثاني أكبر أقلية موجودة ضمن النسيج السوري.
ومن خلال الأحداث والأزمة التي بدأت في البلاد منذ آذار 2011 كان عمل الحركة الكردية قوياً وواضحاً من خلال المظاهرات والاعتصامات السلمية التي قامت الآن في المناطق الكردية. وكما لاحظنا أيضاً من ضمن هذا الحراك إعادة ما سمي بلم الشمل وتوحد أو اتفاق نحو 12 حزباً كردياً تحت قيادة سياسية موحدة في البلاد، ليكونوا صوتاً واحداً (تحت اسم المجلس الوطني الكردي)، وهي تطالب وتناضل إلى الآن تحت لواء التغيير وتفعيل الحراك السياسي وتداول السلطة والتعددية وحرية الرأي بشكل سلمي وسياسي، وتفعيل الحركات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والأهلي والسياسي في البلاد، ومن ضمنها الأحزاب الكردية. وكانت تلك القوى ترفض التدخل الأجنبي والحراك المسلح والاستعانة بالخارج كما لاحظنا.
وقد وجد أيضاً طرف آخر ضمن الحراك الكردي له جماهيرية واسعة، ويحمل أفراده السلاح، للدفاع عن مناطقهم وبقائها آمنة، ورفعت شعارات كثيرة منها: الديمقراطية والعدالة والتعددية والاعتراف بحقوق الأكراد، وهم حزب الاتحاد الديمقراطي PYd وأيضاً ضمن النسيج السوري وتحت سقفه، علماً بتشكيلهم الحماية العسكرية ليست انشقاقاً أو انفصالاً عن الدولة وإنما عسكرتهم للحفاظ على أمنهم وسلامتهم كما قلنا سابقاً، مع العمل السياسي الدؤوب بمطالبهم، مع الإشارة إلى أن حمل السلاح مستقبله مجهول.
واتضح في الفترات الأخيرة الماضية أن وجود الأحزاب والقوى الكردية السياسية ووجود الجناح العسكري المشكل من كل الأطراف للدفاع عن أمن مناطقهم من الهجمات الخارجية، وتحديداً تركيا وقوى أخرى، أدى إلى خلخلة الوضع في المناطق الشرقية وقبلها عفرين. وتم التوصل إلى هدنة لوقف القتال بين المجلس العسكري الكردي وما يسمى الجيش الحر. وهنا أريد أن أوضح أن وجود الأحزاب وتشكيل قوة عسكرية أدى إلى وجود ظاهرة الدفاع عن المناطق والقرى للحفاظ على أمن وسلامة تلك المناطق والمدن. وهنا بدأ بالترويج أن هذه المجموعات العسكرية عبارة عن أطراف تخدم النظام، وأنها ضد الثورة والحراك، واتهمت بالخيانة، متناسين أن الدفاع عن بيوتهم ومناطقهم هو حق شرعي لكل شخص من أي طرف كان يشن الهجمات. وكان هناك الكثير من كلا الطرفين من مصلحته أن يفتعل أو أن يوتر الأجواء أكثر لكي يشعل نار الطائفية وما شابه وتفكيك النسيج والتلونات السورية المتعايشة مع بعضها لعقود طويلة، فإذا كان الأمر كذلك، فهل نسيت كل الأطراف ما حدث عام 2004 واتهام بعض الأطراف للأكراد وقتئذ بالخيانة وبالانفصال عن الوطن؟ وهل نسيت الجماهير نضالات الأكراد عبر تاريخ سورية القديمة والحديثة ووجودهم الدائم، وأنهم جزء لا يتجزأ من البلاد، حتى وصل بعضهم إلى رئاسة الجمهورية أكثر من مرة (الشيشكلي – وحسني الزعيم)، وكانوا أيضاً ضمن الحركات التحريرية في البلاد، وعلى رأسهم خالد بكداش وضمن الثورة السورية (إبراهيم هنانو )…وكم من سياسيين أكراد قضوا عشرات السنين في السجون لمجرد انتمائهم إلى أحزاب كردية، أو للدفاع عن قضيتهم؟ وهل نسي الكثير من الأطراف أن أكثر من 50 سنة والأكراد يناضلون في سبيل استرداد الجنسية السورية؟ وهل نسوا أيضاً عدم القدرة على أخذ حقوقهم الثقافية والفكرية والتراثية وافتتاح مدارس بلغتهم؟ إن معركتنا في هذه الأوضاع والظروف ليست معركة اتهامات وتكفير وتخوين. نحن في حالة صراع داخلي وخارجي، لأن هذه الشرخ سوف يأخذنا إلى المجهول.
مع ملاحظتي الأخيرة أن لا تكون مسألة العسكرة وحمل السلاح دائمة، كما حصل في لبنان لسنوات طويلة.