المشاغبة الكوميدية والخروج عن النص رحيل الكوميدي المصري سعيد صالح

في رحيل  الفنان وشيخ الكوميديا المصرية سعيد صالح  تشكل عند المتابع العربي عدة أسئلة، وأكثر تلك الأسئلة إلحاحاً هي: ماسبب غياب  قامة فنية كوميدية بحجم سعيد صالح عن الإبداع والساحة الفنية  لمدة أكثر من عقد من الزمن؟.

إن  تجربة سعيد صالح الفنية تتميز بالأداء التلقائي والخروج عن النص المكتوب، والقدرة على العلاج الدرامي بكل طلاقة، وإضافة جمل حركية وتعبيرية على المشهد الدرامي، مما جعله في أغلب المسرحيات التي شارك فيها يشكل حضوراً لافتاً على مستوى الأداء والحركة.

 لكن للجواب الذي شكل السؤال الأول عند رحيله لدى محبيه جعل أغلب النقاد والمتابعين لتجربة سعيد صالح الفنية يعتقدون أن لذلك الغياب  أكثر من سبب، وقد يكون السبب تعرّضه لأزمة صحية شديدة، عقب إصابته بضيق في ثلاثة شرايين تطلبت إجراء عملية قلب مفتوح، إضافة إلى إصابته بمرض السكر وجلطة في المخ.

 لكن  أكثر تلك الأسباب  وضوحاً هو السبب السياسي باعتبار أن سعيد صالح كان الفنان  المشاغب والمشاكس والأكثر حضوراً كوميدياً في تاريخ المسرح الكوميدي في مصر، وقد برع منذ بداياته  في المسرح السياسي الذي يناقش هموم الناس وقضاياهم، وقدم عشرات المسرحيات من هذا النوع مما عرضه للسجن أكثر من مرة، كان أولها سنة 1983 بسبب مقولته الشهيرة التي أشار  بها إلى مصر، وكان القول ارتجالياً: (أمي اتجوزت ثلاث مرات: الأول أكلنا المش، والتاني علمنا الغش، والثالث لا بيهش ولا بينش)،  قاصداً بذلك رؤساء الجمهورية الثلاثة الذين تناوبوا على حكم مصر. وسُجن للمرة الثانية سنة 1991 بتهمه تعاطي المخدرات  وهو ما نفاه سعيد صالح مرات عدة، مؤكداً أن سجنه كان بسبب آرائه السياسية المعارضة والمنتقدة لنظام الرئيس السابق محمد حسنى مبارك.

ومن مصادفة القدر أن يوم ميلاده  في 31 تموز هو ذاته يوم وفاته، إذ ولد سعيد صالح إبراهيم سنة  1939 في حي السيدة زينب بالقاهرة، حصل على إجازة الآداب من جامعة القاهرة عام 1960 وظهرت موهبته الفنية منذ الصغر، فانضم إلى المسرح المدرسي وشارك في المعسكرات الصيفية بمدينة الإسكندرية. عشق المسرح كمشاهد في البداية، وكان يذهب إلى مسرح الأزبكية ويختبئ في طرقاته لمشاهدة الممثلين من وراء الكواليس. وبدأ سعيد صالح مشواره الفني في  الفرق المختلفة بمسارح التلفزيون التي قدم بها العديد من الأدوار الصغيرة، مما مكنه من لفت الأنظار إلى موهبته، حتى جاءت انطلاقته الحقيقية عقب نجاحه في مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي فتحت له أبواب النجومية. أسس في عام 1984 فرقة (مصر المسرحية) التي نجح في تقديم ثلاثة عروض مميزة أسهم فيها بالتمثيل والتلحين والغناء. بلغت أعماله أكثر من 500 فيلم سينمائي وأكثر من 300 مسرحية، ومن أبرز أعماله السينمائية: (الهلفوت ـ يا عزيزي كلنا لصوص ـ  المشبوه ـ  مع حبي وأشواقي ـ سلام يا صاحبي ـ بلية ودماغه العالية ـ زواج بقرار جمهوري ـ صعيدي رايح جاي). ومن أبرز أعماله المسرحية: (هاللو شلبي ـ مدرسة المشاغبين ـ العيال كبرت ـ كعبلون ـ  نحن نشكر الظروف).

برحيله  فقدت الساحة الفنية المصرية والعربية أحد أهم أعمدة الكوميديا في العالم العربي.

العدد 1140 - 22/01/2025