نبيه جلاحج (أبو نوار) ابن الجولان الجريح.. وداعاً!
يونس صالح:
نبيه جلاحج (أبو نوار) المناضل العريق والصديق، والرفيق، وابن الجولان الجريح، يرحل عنّا، مخلّفاً وراءه إرثاً نضالياً حافلاً، وفراغاً من الصعب أن يملأه مناضل آخر لأعوام طويلة.
إن تاريخه الناصع والمجيد، ونضاله العنيد من أجل سورية الوطن والعدالة والديمقراطية، سيبقيان صفحة مجيدة في تاريخ الحركة العمالية في سورية.
تعرفت بالرفيق نبيه في صيف عام 1956، كنت آنذاك قد أصبحت عضواً في الحزب الشيوعي السوري أثناء النهوض الوطني العارم. كان تنظيمي بداية في المدارس، ثم ألحقت بالتنظيم السكني في حي المهاجرين، وهناك أصبحت عضواً في الفرقة نفسها التي كان ينتمي إليها الرفيق نبيه.. ومن يومها ربطتنا علاقة صداقة امتدت لأكثر من ستين عاماً. كان أبو نوار عنصراً ديناميكياً في الفرقة، ومن نعومة أظفاره تميز بقدرات تنظيمية، وانفتاح على الغير، وروح المبادرة، والعطاء، ونكران الذات.. كان شعوره الوطني والطبقي دافعاً عميقاً له للنضال من أجل التغيير.
وتأتي الوحدة، وتشن حملة ظالمة ضد الحزب الشيوعي الذي عارض طريقة قيام الوحدة، ويعتقل نبيه في شباط من عام 1959، ويزج به في سجن المزة مع آلاف المناضلين الآخرين. وألتقيه فيما بعد في سجن المزة أيضاً، وخلال ثلاث سنوات، تعرض فيها الرفيق أبو نوار لتعذيب شديد، من أجل البراءة من الحزب، ولكن الجلادين فشلوا في انتزاع كلمة واحدة منه. وفي حملة التعذيب الشهيرة التي جرت في اللاذقية، تعرض لعملية تعذيب طويلة الأمد ويومياً، امتدت لأكثر من شهر، ليعود نبيه إلى سجن المزة، منتصراً على جلاديه.
ونخرج من السجن بعد الانفصال، ليكلف نبيه معي لإعادة بناء منظمة الحزب في حي المهاجرين والصالحية، وكان عملاً مضنياً، قام به بنكران ذات، وأعيد بناؤها من جديد، ثم ننتقل إلى العمل السري بعد انقلاب حزب البعث، ويكلف الرفيق نبيه بعمل آخر خارج الحي.. لنلتقي بعد ثلاثة أشهر، ولنبلغ بضرورة مغادرة سورية إلى لبنان، وهكذا غادرنا البلاد سوية وسيراً على الأقدام عبر جبل الشيخ.. وهناك عرفنا الفاقة وشظف العيش سوية مع الرفيق المرحوم قوزما كسيري، ونغادر لبنان إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة، بعدها إلى المدرسة الحزبية للدراسة الجامعية، ولم نلتق بعد ذلك إلا في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
لقد شغل أبو نوار بعد عودته من الاتحاد السوفييتي مسؤوليات عدة، في دمشق وحمص وطرطوس، ولاتزال ذكراه عطرة، ولايزال المناضلون القدماء يتذكرون عطاءاته وتواضعه وروحه النضالية وتضحياته. لقد ناضل أبو نوار باستمرار من أجل ملاقاة كل ما هو جديد في الفكر والسياسة والثقافة، وكانت مثل العدالة متغلغلة عميقاً في فكره وسلوكه وتصرفاته، وكان عطاءه بلا حدود.
لقد شكلت وحدة صفوف المناضلين الشيوعيين فكره بعمق، وناضل من أجلها، وآمن بأن هذه الوحدة يجب أن تقوم على مبدأ الحوار والتعدد، وبقي مخلصاً لذلك حتى النهاية.
إن نبيه جلاحج، الابن البار للحزب الشيوعي السوري، ظل مخلصاً دون حدود لفكرة الوطن المبني على المواطنة، ولفكرة العدالة، وضد التعصب وإلغاء الغير، وإلى جانب حرية الفكر والمعتقد والثقافة، وكرّس حياته كلها لهذه الأهداف النبيلة، ولذلك سيبقى اسمه حياً في ضمائر المناضلين من أجل مستقبل مشرق لسورية.
وداعاً أبو نوار.. سنفتقدك كثيراً.