القانون ودوره في الحد من ارتفاع سن الزواج

 يعد الزواج من أهم الأحداث في حياة الإنسان لما يترتب عليه من تأثير على الفرد والأسرة والمجتمع، فهو أفضل مؤسسة اجتماعية تؤدي وظيفة بنّاءة وضرورية لاستمرار الجنس البشري وارتقائه، والمسكن الذي يحمي الإنسان ويحقق له الاطمئنان والهدوء والاستقرار مما يدفعه ليكون الدعامة الأولى في بناء المجتمع ونجاحه وقاعدته المتينة في إرساء حضارته وبناء أمجاده ومستقبله.

فبناء الأسرة هو بناء المجتمع، والزواج هو حل لكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية الداخلية لما يقوم به من تهذيب الإنسان أخلاقياً وسلوكياً مادام عطاؤه مستمراً دون توقف.

فقد شجع الدستور السوري عام 2012 على الزواج لتكوين الأسرة التي تعد نواة المجتمع وقد نصت المادة 20 منه (1-الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوي أواصرها -2-تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم). وأيضاً نصت المادة 12 منه على (1-تكفل الدولة كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة).

ومن حيث تعتبر المرأة نصف المجتمع فقد أعطاها الدستور حق العلم وحق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما ساوى بينها وبين الرجل في العديد من نصوصه، فقد نصت المادة 33 منه (3-المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة) ولاعتبار سن الزواج أهمية كبرى فقد حدد المشرع السوري السن القانوني والاجتماعي للزواج، إذ نصت المادة 16 من القانون أحوال شخصية على تحديد سن الزواج للفتى بـ18 عشر عاماً وللفتاة 17 عشر عاماً. وفي المادة 8 منه أجاز المشرع زواج الفتى بسن 15 عاماً والفتاة بسن 13عاماً بإذن القاضي وموافقة الولي.

ولكن على الرغم من صدور التشريعات والقوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية فلم يخلُ المجتمع السوري من المشاكل الاجتماعية ومنها الزواج المبكر والعنوسة والعنف ضد المرأة وهذه المشاكل كانت وليدة العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية.

ونظراً لما طرأ على الزواج من تحديات وعقبات تعرقل الوصول إليه، بسبب الانفتاح الفكري والثقافي والتعليمي وما أفرزته الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت مشكلة ارتفاع سن الزواج لدى المرأة والرجل عما كانت عليه في الماضي، وهذا يرجع بالنسبة للمرأة إلى دخولها ميدان العلم والعمل وانتشار التعليم العالي وتبدل اهتماماتها بنفسها ورغبتها بالاستقلال المادي والمعنوي.

ولأن المجتمع السوري مجتمع فتي ما جعل هذه الظاهرة من أضخم المشاكل الاجتماعية على الساحة الثقافية والفكرية والإعلامية المعاصرة، وجاءت الأزمة السورية والحرب التي أظهرت حجم الكارثة وما آل إليه الوضع من أزمات اقتصادية وأمنية، إضافة إلى القتل والتهجير والالتحاق بخدمة الوطن، كل ذلك ساهم في عزوف الشباب عن الزواج، وقابله بقاء العديد من الفتيات دون زواج (عانس).

فالعنوسة مصطلح اجتماعي خاوي المضمون أطلقه المجتمع الذكوري على الفتيات، وهذا المفهوم يتغير بتغير الظروف والأوضاع الاجتماعية والتطور الزمني للمجتمع، والسبب الأساسي في هذه التسمية في نظر المجتمع هو حصر دور المرأة في الإنجاب، فقد وضع لها مدة صلاحية تنتهي بانتهاء قدرتها على الإنجاب مما يجعل المجتمع يخسر قوة يمكن أن تكون أكثر فاعلية في المجتمع.

فالمرأة هي جزء من المجتمع وإذا لم تعط فرصة تكوين أسرة في الحياة لا يعني ذلك نهاية المطاف بل هناك جوانب كثيرة تساهم فيها وتحقق ذاتها ورغباتها، والمرأة الواثقة من نفسها والقادرة على تحقيق ذاتها ليست عانساً، فإن لم تجد الشريك المناسب لا يعني أن تنتهي حياتها مع رجل لمجرد إشباع الرغبة وإنجاب الأولاد وإرضاء المجتمع، وهذا لا يلغي مكانتها الاجتماعية ونجاحها وعملها وأنه مهما وصلت الفتاة إلى أعلى المراتب تظل في نظر المجتمع فاشلة، وهذه ثقافة سلبية للمجتمع ونظرة قاصرة وغير عادلة للفتاة غير المتزوجة وقيد على حريتها في أن تتزوج أو أن تعيش بلا قيود فلا ترغم على الزواج لمجرد التخلص من شبح العنوسة.

و للحد من ظاهرة عزوف الشباب والشابات عن الزواج فعلى المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية أن تجند طاقاتها وجهودها لمواجهة تفشي هذه الظاهرة وإعادة الاعتبار للزواج بوصفه رباطاً أسرياً وليس علاقة تجارية من خلال تنظيم ندوات ومحاضرات دورية للتوعية بمفهوم الزواج ومحاربة العادات والتقاليد وإقامة أسواق خيرية مختلفة تساهم في توفير متطلبات بيت الزوجية، وعلى الدولة بمؤسساتها والحكومة بدوائرها التنفيذية رصد الظاهرة وتطويقها وإعداد الدراسات والخطط اللازمة لمعالجتها ووضع الميزانيات الكافية لردم الهوة ومعالجة المشكلة، والأهم أن تعود سورية معافاة ويعود شيبها وشبابها إلى بيوتهم.

العدد 1140 - 22/01/2025