عيد بأي ميلاد تعدنا يا عيد..؟!
تكاد تمر قرابة سنتين على الأزمة السورية المشتعلة، التي يحتاج إطفاء نارها إلى مزيد من إعمال العقل والحكمة والتبصر بمصالح الوطن، ومصائر المواطنين الأبرياء، الذين لا ذنب لهم إلا إصرارهم على محبة وطنهم، وتفانيهم في التمسك بوحدته والعيش المشترك بين أبنائه المتجذرين فيه منذ عشرات آلاف السنين.
فهل نحلم بميلاد جديد لسورية تتجاوز فيه مأساتها وتنهي أسبابها، المتفاعلة داخلياً وإقليمياً ودولياً، بالتلاحم والانصهار في بوتقة الوحدة الوطنية تحت شعار: الوطن أسمى من كل المصالح الضيقة.
من يقرأ تاريخ سورية، يملأه التفاؤل بالخلاص من الأزمة بأقل الخسائر، فالشعب السوري عرف محناً شديدة وخاض مواجهات عنيفة، واستطاع، بفعل تراص أبنائه وتضحياتهم، تجاوزها، وهو اليوم قادر على تخطي محنته، كما عوّدنا عبر تاريخه.
***
الأعياد مناسبات يحتفي بها الناس ويجتمعون ويراجعون تجاربهم لاستخلاص النتائج منها، بتعزيز النجاحات وتحديد أسباب الإخفاقات لتجنب تكرارها. ونحن اليوم في صفحتنا الثقافية نحاول أن نقف أمام تجربة عام مضى مغمس بالآلام تفوح منه رائحة الدماء، وتضلله صورة معتمة ظلامية، لا تترك نافذة للضوء نحو المستقبل. ومع كل ما هو مؤلم وقاتم، لا بد لنا من مراجعة منصفة لا تدعي الحياد، وإنما تحاول الاقتراب منه، لتقييم عملنا في الإشراف على الصفحة الثقافية في جريدة (النور) المتزنة والمتوازنة ما استطاعت إلى ذلك إمكانية.
هل حققت صفحة الثقافة في جريدتنا الأهداف التي أعلنا عنها في بداية عملنا، من صيانة المتعدد، وحرص على المختلف، وتشجيع للجديد، وانتصار للمغايرة، وتقديم للمفيد والممتع؟!
النوايا الحسنة لا تقود إلى الجنة (ولا بد دون الشهد من إبر النحل)، فالعمل الخلاق وحده ما يبقى، وكل ما عداه يذهب رغاء وزبداً.
لقد حاولنا جهدنا، ولكن الظروف الموضوعية التي يعرفها الجميع حالت إلى حد كبير دون الوصول إلى ما نريد، حتى ولو صدقت النوايا.
***
الظروف الموضوعية يمكن التخفيف من آثارها بالإرادة وبذل المزيد من الجهد، والتعاون المشترك بين المساهمين في الكتابة والمشرفين على الصفحة. فالموضوعية تتطلب الاعتراف بتقصير هنا أو هناك، فصفحتنا كانت على الأغلب تأخذ طابعاً أدبياً، واختفت منها الموضوعات حول المسرح أو السينما على سبيل المثال، وذلك لندرة المواد المتعلقة بهذه الموضوعات.
حاولنا جهدنا أن نغطي في صفحتنا كل ما يتعلق بالثقافة بمعناها الواسع، وركزنا على دور الثقافة والمثقفين في المعركة المصيرية التي تدور رحاها في بلدنا سورية وحولها (الثقافة السياسية)، كما أبرزنا دور المثقف، ورأينا أن تهميش الثقافة، إقصاء للمثقف، وتعطيل لدوره الاجتماعي. واقترحنا عملاً مشتركاً وفق برنامج منهجي لاستنهاض الثقافة الوطنية وتعزيزها وتأصيلها في الوعي الاجتماعي، مستندين إلى تحديد مفاهيمي لكثير من الأفكار الشائعة والمتداولة اجتماعياً، كمفاهيم الثقافة، المواطنة، الدولة، الحرية، الديمقراطية.. وغيرها مما يتعلق بمفرزات الحالة العربية العامة تحت ما يسمى (الربيع العربي).
***
مما لا شك فيه أن صعوبة الاتصالات والمواصلات في الفترة المنصرمة، حالت إلى حد بعيد دون الاتصال والتواصل، وكلنا ثقة وأمل، أن تخرج البلاد من الأزمة الخانقة، وأن تعود الأمور إلى طبيعتها، لنجدد العمل المشترك، ونصل ما انقطع بيننا.. كما نهيب بحملة الأقلام الوطنية على اختلاف مشاربها ورؤاها أن ترفد صفحتنا الثقافية بعطاءاتها الثمينة كي نخرج من ظاهرة تكرار الأسماء، التي لا نعدّها مشكلة بحد ذاتها، إذا كانت الموضوعات المتناولة بعيدة عن التكرار، وتحمل بين سطورها أفكاراً متنوعة ومتقدمة.
سنسعى دائماً إلى تشجيع (الفكر النقدي)، وندفع إلى أمام بالأسئلة التي تبحث أبداً عن أجوبة لا تعرف الاستقرار والركون إلى النتائج المنجزة. فدأبنا دائماً تخطِّي المألوف، والانتقال من حالة الركود إلى بعث الحركة في كل ما يبدو ساكناً وثابتاً باتجاه المتغير والمتبدل، وفقاً لسُنة الكون والطبيعة.
ليس أدعى إلى الخمول والتراجع من الرضا عن النفس.. وجلد الذات ومآتم الندب، لا تسير بنا خطوة واحدة إلى الأمام. معرفة أسباب القصور والتقصير الذاتي والموضوعي وحدها كفيلة بتخطي ما نحن فيه من عثار وصعوبات، فإلى تعاون مشترك وتفاعل خلاق لما فيه مصلحة الوطن الواحد الحريص على التعددية الثقافية والسياسية والتنوع الفكري والغنى الإنساني، مع جزيل الشكر لكل من ساهم في جعل صفحتنا الثقافية أكثر إشراقاً.