صدر حديثًا عن المركز القومي للترجمة في القاهرة «الذرة الرفيعة الحمراء» أول نص روائي بالعربية للكاتب النوبلي الصيني «مو يان»

صدر حديثًا عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، للكاتب النوبلي الصيني (مو يان) الحائز على جائزة نوبل للآداب لعام ،2012 النسخة العربية من رواية (الذرة الرفيعة الحمراء)، عن ترجمة للكاتب المصري الدكتور حسنين فهمي حسين. وهي بذلك أول عمل لهذا الكاتب الكبير يُقرأ بالعربية. وكانت هذه الرواية حصدت نجاحاً عالمياً بعدما صوّرت فيلماً تمكن من الفوز بجائزة كبرى في مهرجان (برلين السينمائي) عام 1988م.

يقول مترجم الرواية الدكتور حسنين فهمي حسين: (تعد هذه الرواية من أهم الأعمال المعبرة عن أدب (يان). حازت هذه الرواية منذ صدورها للمرة الأولى في العام 1987 عن دار نشر الفنون والآداب التابعة لجيش التحرير الصيني، تقدير النقاد والقراء الصينيين، ثم تقدير وإعجاب القارئ العالمي بعد ترجمتها إلى إحدى عشرة لغة أجنبية. كما كانت هذه الرواية من أهم الأعمال التي حازت تقدير لجنة نوبل ودفعت بصاحبها إلى الحصول على هذه الجائزة الرفيعة.) ويضيف د. حسنين: (وقع اختياري على أعمال (يان) عموماً لأترجمها إلى العربية بسبب أسلوب السرد والتأثر الواضح بالتيارات الأدبية الحديثة وغيرها من السمات التي تنفرد بها تلك الأعمال. أما عن اختيار رائعته المعروفة (الذرة الرفيعة الحمراء) لأن تكون أول عمل أقوم بترجمته للتعريف بأدب (يان)، فيعود إلى خصوصية هذه الرواية من بين أعماله، ومن بين الأعمال السردية الصينية المعاصرة).

ويتابع المترجم: (تتميز هذه الرواية بلغتها المحلية الشاعرية الجميلة، التي تفيض بالإحساس وطابع البيئة الريفية التي يحتفي بها (يان) في معظم أعماله. وقبل البدء في الترجمة كنت اطلعتُ على الكثير من الدراسات النقدية الخاصة بأعماله، وهذه الرواية على وجه التحديد. واستغرقت نحو 18 شهراً في ترجمة هذه الرواية الطويلة نسبياً – 347 صفحة من القطع المتوسط)، وخلال هذه المدة توقفتُ أمام الكثير من الصعوبات التي تمثلت في لغة الرواية التي تتميز بعامية منطقة (قاو مي) في مقاطعة (شاندونغ)، شمال شرقي الصين، وبالكثير من العادات المحلية وطقوسها).

ويكشف د. حسنين أنه (من أجل التغلب على هذه الصعوبات، التقيتُ (مو يان) في بكين مرتين، وتناقشتُ معه حول الكثير من تفاصيل الرواية، وبخاصة ما يتعلق بالعادات المحلية بها. وفي ما يتعلق باللغة المحلية التي كُتبت بها الرواية، رجعتُ إلى بعض الأصدقاء الصينيين المتخصصين في اللغة الصينية وآدابها والذين ينتمون إلى مقاطعة (شاندونغ)، مسقط رأس مو يان.

وقد أشار د.خيري دومة (مساعد مدير المركز القومي للترجمة والمشرف على سلسلة الإبداع القصصي) إلى أن (الذرة الرفيعة الحمراء) هي رواية الصين بامتياز.. فهي (تروى عن طفل صيني كبير، يستعيد بوعي وحنين، نُتَفًا من (تاريخ عائلته) في قرية دونغ بي بمدينة قاو مي)، وهي قرية المؤلف.

ترسم الرواية عالمًا صينياً واقعياً، لكنه في الوقت نفسه يقترب من أن يكون غرائبياً، أهم ما يميزه هو ذلك الطابع البدائي المرعب، القائم على القتل بسهولة والتعذيب وقطع الطريق، وهذا التماذج المهول الذي يصل إلى حد التطابق بين البشر والحيوانات والطيور والنبات وكل مظاهر الطبيعة. إنها قرية صينية صنعتها ذكريات (مو يان) التي أراد أن يكتب لها الخلود، وصنعها خياله بالطبع، كما صنعها وعيه السياسي والأيديولوجي الحاضر بقوة وراء كثير من مشاهد الرواية.

تلك هي بإيجاز رواية (مو يان)، التي ينبع عالمها السحري من استخدام عنصرين رهيفين يعكسان وعي كاتبها. وتتناول الرواية عنصرين: الأول هو ذلك الراوي الطفل الذي يتذكر ويحكي ما رآه وما رُوي له، وعي بهوية الصين، يكاد يكون وعيًا أيديولوجياً، والثاني هو مشهد حقول الذرة الرفيعة الحمراء التي تشكل الخلفية الطبيعية والسحرية لعالم هذه الرواية البديعة، ففي هذه الحقول وحولها تقع كل الأحداث والأسرار والأفراح والجنازات. الذرة الرفيعة الحمراء التي يكتب الراوي مرثيتها بعد عودته وحضوره المفاجئ في نهاية الرواية، معلنًا عن رعبه من الذرة المهجنة التي زحفت واحتلت الصين.

وعن ترجمة روايته للغة الضاد، قال صاحب (الضفدعة): (إن ترجمة (الذرة الرفيعة الحمراء) إلى العربية يعد بادرة طيبة للتعريف به لدى جمهور القراء العرب،  وأضاف مو يان، في حديث أجرته معه القناة الثقافية بالتلفزيون السعودي: (نتمنى أن يشهد مجال الترجمة عن الأدب العربي تطوراً واضحاً، وأن يطلع القراء الصينيون على أعمال الأدباء العرب الكبار، أمثال نجيب محفوظ وجمال الغيطاني، والشعراء العرب المعاصرين أمثال الراحل محمود درويش، وأدونيس، وغيرهم من الأدباء من مصر ولبنان وسورية وغيرها من الدول العربية.

 وشدد صاحب (الحياة والموت ينهكاني)، على أن صدور الترجمة العربية لروايته هو (حدث كبير ومهم في مجال التبادلات الأدبية بين الصين والعالم العربي)، معرباً عن أمله في أن تنال هذه الترجمة إعجاب وتقدير جمهور القراء العرب، وأن تتم ترجمة مزيد من الأعمال الأدبية الصينية إلى العربية.

 وأكد الأديب الصيني في حديثه للقناة (الثقافية) بالتلفزيون السعودي أنه قرأ بعض أعمال نجيب محفوظ وخاصة روايته (أولاد حارتنا) وبعض أعمال جمال الغيطاني التي صدرت لها ترجمات بالصينية.

 وقال: (إن أعمال نجيب محفوظ تتميز بالأسلوب الواقعي الذي يصور المجتمع المصري والمواطن المصري خير تصوير، حيث يقدم محفوظ في أعماله صورة واضحة عن المنطقة التي تربى وعاش فيها وارتبط بأهلها، ويكتب عن أصدقاء الشباب وعن اهتماماتهم آنذاك، فيمكن القول إن أعماله تتميز بملامح مصرية خالصة).

 وأشار صاحب (جمهورية النبيذ) إلى أن (هناك علاقة واضحة بين الغيطاني ومحفوظ، ربما تكون علاقة تلميذ بأستاذ، إذ يظهر تأثر الأول بالثاني في الارتباط بالملامح المصرية، إلا أن الغيطاني يتجاوز ذلك عبرالتأثر في إبداعاته ببعض التيارات والأساليب الغربية، فكتاباته فيها شيء من الحداثة، وهو كاتب كبير ولديه الكثير من الأعمال الجيدة).

 ورداً على سؤال آخر أكد أن (الشاعر السوري أدونيس يستحق الفوز بجائزة (نوبل)، مشيراً إلى أنه صدرت مؤخراً في الصين ترجمة لأشعار أدونيس، (اطلعت عليها منذ وقت قريب، وأعتقد أن شعر أدونيس يتميز بملامح عربية واضحة، فهو يكتب عن الإنسان العربي ومعاناته).

 وقال مو يان إنه شعر بالدهشة، عن إعلان فوزه بجائزة (نوبل)، وقال إنه (مع أن الكثيرين تابعوا خلال السنوات الأخيرة ترشيحي لهذه الجائزة الرفيعة، فإنني كنت أشعر بأنني مازلت في سن مبكرة لأن أحصل عليها، إذ إنها تمنح عادة للأدباء الذين تصل أعمارهم إلى السبعين والثمانين).

وأضاف: (أنا أثق بأن الساحة الأدبية العالمية تضم مجموعة كبيرة من الأدباء العظام الذين يستحقون الحصول على هذه الجائزة الرفيعة، والذين ربما يكون بعضهم أجدر مني بالحصول عليها، ومن ثم فإنه يشرفني أن تكون الجائزة من نصيبي هذا العام).

 ورداً على سؤال عما إذا كان يمكن القول إن حصوله على (نوبل) قد يكون له تأثير على مشواره الإبداعي فيما بعد، قال صاحب (أثداء كبيرة ووروك عريضة): (بالطبع، سيكون من الصعب أن أتمتع بحياة مستقرة بسبب اللقاءات الإعلامية والندوات وغيرها من الأنشطة الاجتماعية المتعلقة بهذا الحدث، لكنني على ثقة من أنني سأتمكن من تجاوز هذا الأمر خلال ستة أشهر وأعود إلى نشاطي الإبداعي).  وأضاف: (كما تعلمون، فإنني حصلت العام الماضي على جائزة (مادون)، التي هي أرفع الجوائز الأدبية في الصين، واستطعت أن أنسى فوزي بها بعد إعلانه بعشرة أيام فقط، وعدت سريعاً إلى حياتي الإبداعية.. أتمنى أن أنسى كذلك فوزي ب (نوبل)، فهذه الجائزة عادة ما يكون لها تأثير واضح على المشوار الإبداعي للأدباء الذين يحصلون عليها، لدرجة أن بعضهم يعجز عن إبداع أعمال قيمة بعدها، وسأبذل مزيداً من الجهد لأقدم أعمالاً أفضل، فربما يكون هذا أفضل ما يمكن أن أقدمه للقراء وللجنة نوبل التي شُرِّفت باختيارها لي لنيل هذه الجائزة الرفيعة.)

أوس داود يعقوب

العدد 1140 - 22/01/2025