رحيل «اليوسف» صاحب «مقالات في الشعر الجاهلي» في تغريبته الثالثة

في تغريبته الثالثة رحل الأديب والناقد الفلسطيني يوسف سامي اليوسف (أبو الوليد) صباح يوم الخميس الثاني من الشهر الجاري، في مخيم نهر البارد بطرابلس، بعد أن أكمل من عمره خمسة وسبعين عاماً، قضى جُلّها قابضاً على جمر الكتابة والإبداع. والراحل من أبرز أعلام الحركة الأدبية والنقدية في الساحة العربية، ويعدّ واحداً من واضعي ومؤسسي بصمة ومدرسة حقيقية للنقد العربي الحديث. ويتفق العارفون على حقيقة أنه أفضل مَن ترجم ت. س. إليوت إلى العربية. وقد حفلت مقالاته ودراساته وكتبه بالجديد المتميز على الدوام، إذ كان يضع في كلّ كلمة جديدة يكتبها، خطوة متميزة متقدمة في عالم النقد، فكان بذلك صاحب رؤية نقدية لا تخضع للسائد ولا ترضى بالعادي. إذ دأبه التجديد إضافة إلى التأصيل والعودة إلى الجذور، لتكون نظرته النقدية متقدمة في كلّ شيء، ومجددة على الدوام. و(اليوسف) (1938  2013) هو أول من قارب الصوفية في النقد العربي. وكان (رحمه الله) معروفاً بأحكامه الصارمة حول الأدب العالمي، (الروائي خصوصاً)، قبل العربي والفلسطيني. لكن الإعلام والمؤسسات الثقافية والأدبية_ للأسف الشديد _ قد همشته.

 يقول الناقد فخري صالح، في هذا السياق: (لقد ظلم تاريخ النقد العربي المعاصر اسم يوسف سامي اليوسف، كما ظلمته الجغرافيا؛ بل ربما كان ظُلْمُ من كتبوا عن النقد العربي المعاصر لليوسف أكثر فداحةً وتجاهلاً ونسياناً؛ فهو ناقدٌ عربي كبير يمتلك رؤية ونظرة عميقتين إلى الأدب والثقافة. فهو إضافة إلى عودته لقراءة الشعر العربي القديم قراءة جديدة لم يتوان عن وضع الظواهر الثقافية العربية المعاصرة موضع البحث والمساءلة، جاعلاً الشعر العربي في بؤرة تفكيره النقدي، لأنه من وجهة نظره هو النوع الأبرز والأهمّ في إنتاج العرب قديماً وحديثاً. ولعل ذلك يدفعنا إلى إعادة الاعتبار لناقد كبير دفعته الانكسارات الكبرى إلى الانزواء بعيداً خلال العقدين الماضيين، كاتباّ مذكرات تشردّه ومنفاه الشخصي والعامّ كفلسطيني تميد الأرض دوماً من تحت قدميه).

وفي رثائه يقول الناقد صبحي الحديدي: (اليوسف كان مثالياً، باعتزاز شخصيّ جدير بالانتباه والاحترام، ليس في ما يتّصل بمنهجيته المفتوحة في قراءة النصّ الشعري قديمه وحديثه فحسب؛ بل كان رسولياً في دفاعه عن سلسلة مصطلحات أقرب إلى أحجار الأساس عنده: الروح، الوجدان، الذائقة، القيمة وحكم القيمة، المعيار، الخيال، حرية الخيال. وهو لم يتلعثم، بل توقّد يقيناً وانحيازاً، حين كتب: (الجرعة الوجدانية هي العنصر اليخضوري الفعال في تحديد قيمة النصّ الأدبي)، أو: (الحميم هو المحتوى الأوّل لكلّ أدب عظيم)، أو: (في الحقّ إنّ كلّ نصّ أدبي هو استحضار لصباغ عصره، أو لما يستتبّ في ذلك العصر من ماهية. وهذا يتضمن ما فحواه أنّ النصّ البكر لا ينتجه إلا عصر بكر، أو طور تاريخي لم يرضخ بعد لشيخوخة الروح. وفي صلب الحقّ أن عصرنا الراهن لم تعد له أية بكارة، مهما تكُ نسبتها، ولهذا فلست أحسبه شديد القدرة على إنتاج الكثير من الأدب الأصيل)!

الاقتباسات السابقة تتيح الوقوف على عنصرين، في لغة اليوسف: الجرعة المثالية المتسامية والشجاعة معاً، وراء مواقفه من واجبات ولادة، وقراءة، النصّ الشعري؛ وخصوصية قاموسه النقدي، ذلك المزيج الناجح من الفصحى العالية، التي تتقَّعر لغوياً عن سابق قصد، دون أن تفقد طلاوتها وسحرها وطرافتها؛ والفصحى الفلسفية الميسّرة، التي تغرف من معين التراث الصوفيّ إجمالاً، ومن ابن عربي والحلاج بصفة خاصة).

 

الكتابة أول متعة في حياتي

ولد يوسف سامي اليوسف بتاريخ  17/11/1938 في قرية لوبية/ طبريا. وتلقى تعليمه الابتدائي في بعلبك عقب اللجوء من فلسطين، ثم أقام في دمشق.. وبعد أن درس الثانوية.. التحق في العام 1960 بجامعة دمشق( كلية الآداب) قسم اللغة الإنكليزية، ونال الإجازة في عام ،1964 حاز على الدبلوم العامة في التربية عام ،1965 وعلى الدبلوم الخاصة في التربية عام 1967.

وقد بدأ العمل في التدريس منذ عام .1962. أي أنه قضى ثلاثين عاماً في مجال التدريس.

يقول المبدع الراحل في حوار معه: (منذ أن أخذت الشهادة الابتدائية، وأنا أقرأ كثيراً.. ولكنني في هذه الفترة أخذت أتحول إلى قارئ نهم لا يرتوي من القراءة.. والحقيقة أنني رحت أدرس التراث العربي بالدرجة الأولى. ودهشت حين اكتشفت الثراء النادر الذي يتمتع به الشعر التراثي. وهذا ما دفعني إلى كتابة بعض المقالات المتعلقة بالشعر الجاهلي. وفي عام 1975 نشرت كتاباً عنوانه (مقالات في الشعر الجاهلي)، وبعد ثلاث سنوات نشرت كتاباً آخر عنوانه (بحوث في المعلقات). والحقيقة أن هذين الكتابين قد سببا لي متاعب جمة، إذ إنهما قد تعرضا للسرقة كثيراً، وكثيراً جداً، ولاسيما من قبل كتاب لهم شهرة كبيرة في العالم العربي.. ومع (بحوث في المعلقات) نشرت كتاباً عنوانه (الغزل العذري)، وبعد سنتين نشرتُ (الشعر العربي المعاصر) 1980. وفي العام اللاحق نشرت كتاباً عنوانه (ما الشعر العظيم).. وبعد ذلك انهمكت في الترجمة وفي التاريخ، فنشرت (مختارات من شعر إليوت) و (الديانة الفرعونية)، وهما كتابان مترجمان. وبعد ذلك نشرت كتيباً عنوانه (حطين) ،1987 وألحقته بكتاب آخر بعد سنة عنوانه (تاريخ فلسطين).. أما في العقد الأخير من القرن العشرين فقد نشرت دراسة عنوانها (ابن الفارض) 1994 ثم دراسة أخرى عنوانها (مقدمة للنفري) 1997).

ونذكر من مؤلفات الراحل: (مقالات في الشعر الجاهلي)، (دراسة نقدية)، دمشق، 1975. الغزل العذري، (دراسة نقدية) دمشق، 1978. و(بحوث في المعلقات)، (دراسة نقدية) و(القيمة والمعيار، مساهمة في نظرية الشعر)، (دراسة نقدية)، دمشق، ط 1: 2000. و(الخيال والحرية)، (دراسة نقدية)، دمشق، 2001. و(مقال في الرواية)، (دراسة نقدية)، دمشق، 2002. و( تلك الأيام)، (سيرة)،  دمشق، صدرت على مراحل في ثلاثة أجزاء. و(الشعر والحساسية)، (دراسة نقدية)، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2010. و(في البدء كان المكان)، (رواية)، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2011. و(الأسلوب والأدب والقيمة)، (دراسة نقدية)، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2011. وللراحل الكثير من المقالات والدراسات النقدية الأدبية.

العدد 1140 - 22/01/2025