جنون الأسعار وجنون الإرهاب الشعب لا يتحمل مزيداً من رفع الأسعار
ليس من السهل الإقرار بأن هذا الانفلات الخارج عن كل ما هو مألوف في أسعار جميع المواد في الأسواق، إنما يعزى إلى ظروف الحرب التي يشنها الغرب والإرهاب على سورية، مع أنه من الخطأ الكبير نفي تأثيرات هذه الحرب الظالمة على جميع جوانب الحياة الاقتصادية وعلى رأسها الأسعار.
إن المواطنين السوريين مصابون بما يشبه الصدمة القاسية من هذا الارتفاع الجنوني الذي شهدته أسعار جميع المواد تقريباً، التي قفزت مؤخراً بمعدلات مرعبة، حتى شارفت حدود 100% و200% في بعض الحالات، وقد يتحمل المستهلك الفقير ومتوسط الحال، على مضض، زيادة هذه الأسعار بمعدل 30-40% مثلاً، أما غير ذلك فهو أمر لم يعد يقبل به أحد سوى حفنة من تجار السوق السوداء مصاصي دماء الشعب الذين لم يعودوا يقيمون وزناً لوجود الحكومة وأدواتها الرقابية أو التدخلية. ومع أن من المنطق أن تتعاون في ظروف الحرب، جميع عناصر الدورة الاقتصادية، من الإنتاج والاستيراد إلى التوزيع والاستهلاك، للتخفيف من آثار هذه الحرب العدوانية، ولكن بدلاً من ذلك، وكما يقول أكثرية المواطنين، فإن حرباً أخرى تشن عليهم، حرباً لا تقل أذى عن حرب قذائف الهاون التي تتساقط كالمطر فوق رؤوسهم، فهل من رابط بين الحربين، حرب تدمير اقتصاد البلاد وحياة الناس، وحرب الإرهاب..؟
يصل الكثير من المحللين إلى استنتاج مرعب، وهو احتمال أن يكون السماح بهذا الانفلات الاقتصادي تمهيداً لتحويل اقتصادنا، الذي يفترض أن يكون في هذه الظروف اقتصاد حرب، إلى نمط جديد من اقتصاد السوق الحر المنفلت الذي لا يقبل بأي تدخل أو سيطرة للدولة على مجرياته، حيث البقاء للأقوى، وحيث المزيد من الأرباح والغنى للقلة، والمزيد من الإفقار لجماهير الفقراء، ومحدودي الدخل، وهم الأكثرية الساحقة من الشعب.
يقودنا ذلك إلى المخاوف التي يشعر بها المواطنون إزاء احتمال لجوء الحكومة إلى رفع أسعار المواد التي مازالت تحظى ولو بالقليل من الدعم الحكومي، وعلى رأسها الخبز الذي طالما تغنينا بأنه خط أحمر لا يجوز تجاوزه أو المساس به..وقد يتناول ذلك مواد مدعومة أخرى كالمازوت.
ونعتقد أنه رغم تكرار التحذير الذي أطلقته القوى الوطنية كافة في البلاد من مخاطر اللعب بورقة أسعار الخبز، فإننا نجد ضرورياً أن يتكرر التحذير والتنبيه من العواقب السيئة التي ستتمخض عن هذا الإجراء، إن حصل، وستجدنا بحاجة إلى القول إن التذمر الشعبي الواسع من الأوضاع المعيشية لا يتحمل مزيداً منه، خاصة إذا تذكرنا من التجارب السابقة أن أي زيادة في أسعار مثل هذه المواد أدت إلى ارتفاع أسعار كل المواد على الإطلاق. فهل نحن بحاجة إلى إجراءات كهذه، ووطننا وشعبنا وجيشنا يجتازون لحظات حرجة بل ومصيرية ووجودية أيضاً؟
وماذا يمكن أن نقول للعمال والفلاحين والجنود، الذين حموا بصمودهم وببطولاتهم وبدمائهم الطاهرة صمود سورية وكرامتها؟
إن أمامنا عدواً إرهابياً لا يرحم، وعدواً خارجياً يتربص بنا، ويحصي أنفاسنا وينتظر أي ثغرة جديدة يمكن أن ينفذ منها، فهل نترك له فرصاً سانحة لتنفيذ مآربه؟
إن جماهير الشعب السوري الصامدة والصابرة، تطالب بسياسات اقتصادية تقوّي جبهتنا الداخلية، وتنسجم مع تأمين الرعاية والدعم للفئات الفقيرة والمتوسطة، وتطمح كذلك إلى زيادة موارد الدولة لتخطي الصعوبات الاقتصادية الماثلة أمامنا، بالبحث عن الموارد عبر مكافحة الفساد الكبير أولاً، والحد من الهدر، وتحقيق العدالة الضريبية، واستعادة الدورة الاقتصادية، وتقوية دور الدولة في الاقتصاد لا التراجع عنه.